أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٧٩
. (ومنها) الاختبار وهو الأغلب في استعمال الفتنة. كقوله * (أنمآ أموالكم وأولادكم فتنة) *، وقوله * (وألو استقاموا على الطريقة لاسقيناهم مآء غدقا لنفتنهم فيه) *. (ومنها) نتيجة الاختيار إذا كانت سيئة. ومن هنا أطلقت الفتنة على الشرك، كقوله * (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) *، وقوله هنا * (فإنا قد فتنا قومك) *. (ومنها) الحجة، كقوله * (ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين) * أي لم تكن حجتهم.
وقوله تعالى في هذه الآية: * (وأضلهم السامرى) * أسند إضلالهم إليه، لأنه هو الذي تسبب فيه بصياغته لهم العجل من حلي القبط ورميه عليه التراب الذي مسه حافر الفرس التي جاء عليها جبريل، فجعله الله بسبب ذلك عجلا جسدا له خوار، كما قال تعالى في هذه السورة الكريمة: * (فكذلك ألقى السامرى فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار) *، وقال في (الأعراف) * (واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار) *. والخوار: صوت البقر. قال بعض العلماء: جعل الله بقدرته ذلك الحلي المصوغ جسدا من لحم ودم، وهذا هو ظاهر قوله * (عجلا جسدا) *. وقال بعض العلماء: لم تكن تلك الصورة لحما ولا دما، ولكن إذا دخلت فيها الريح صوتت كخوار العجل. والأول أقرب لظاهر الآية، والله تعالى قادر على أن يجعل الجماد لحما ودما، كما جعل آدم لحما ودما وكان طينا. قوله تعالى: * (فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا) *. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن موسى رجع إلى قومه بعد مجيئه للميقات في حال كونه في ذلك الرجوع غضبان أسفا على قومه من أجل عبادتهم العجل.
وقوله * (الحديث أسفا) * أي شديد الغضب. فالأسف هنا: شدة الغضب، وعلى هذا فقوله * (غضبان أسفا) * أي غضبان شديد الغضب. ومن إطلاق الأسف على الغضب في القرآن قوله تعالى في (الزخرف) * (فلمآ ءاسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين) * أي فلما أغضبونا بتماديهم في الكفر مع توالي الآيات عليهم انتقمنا منهم. وقال بعض العلماء: الأسف هنا الحزن والجزع. أي رجع موسى في حال كونه غضبان
(٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 ... » »»