ثم قال الرازي: فهذه جملة الكلام في أقسام السحر وشرح أنواعه وأصنافه.
قلت: وإنما أدخل كثيرا من هذه الأنواع المذكورة في فن السحر للطافة مداركها. لأن السحر في اللغة عبارة عما لطف وخفي سببه، ولهذا جاء في الحديث (إن من البيان لسحرا) وسمي السحور سحورا لكونه يقع خفيا آخر الليل. والسحر: الرئة وهي محل الغذاء، وسميت بذلك لخفائها ولطف مجاريها إلى أجزاء البدن وغضونه، كما قال أبو جهل يوم بدر لعتبة: انتفخ سحره، أي انتفخت رئته من الخوف. وقالت عائشة رضي الله عنها: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري. وقال تعالى: * (سحروا أعين الناس) * أي أخفوا عنهم عملهم انتهى كلام ابن كثير رحمه الله تعالى.
هذا هو حاصل الأقسام الثمانية التي ذكر الفخر الرازي في تفسيره في سورة (البقرة) انقسام السحر إليها. ولأهل العلم فيه تقسيمات متعددة يرجع غالبها إلى هذه الأقسام المذكورة وقد قسمه الشيخ سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي الشنقيطي صاحب التآليف العديدة المفيدة في نظمه المسمى (رشد الغافل) وشرحه له، الذي بين فيه أنواع علوم الشر لتتقي وتجتنب إلى أقسام متعددة:
(منها) قسم يسمى (بالهيماء) بسكر الهاء بعدها مثناة تحتية فميم فياء بعدها ألف التأنيث الممدودة، على وزن كبرياء. قال: وهو ما تركب من خواص سماوية تضاف لأحوال الأفلاك، يحصل لمن عمل له شيء من ذلك أمور معلومة عند السحرة، وقد يبقى له إدراك، وقد يسلبه بالكلية فتصير أحواله كحالات النائم من غير فرق، حتى يتخيل مرور السنين الكثيرة في الزمن اليسير. وحدوث الأولاد وانقضاء الأعمار وغير ذلك في ساعة ونحوها من الزمن اليسير. ومن لم يعمل له ذلك لا تجد شيئا مما ذكر. وهذا تخييل لا حقيقة له اه.
(ومنها) نوع يسمى (بالسيمياء) بكسر السين المهملة وبقية حروفه كحروف ما قبله. قال: وهو عبارة عما تركب من خواص أرضية كدهن خاص، أو مائعات خاصة يبقى معها إدراك، وقد يسلب بالكلية إلى آخر ما تقدم في الهيمياء.
(ومنها) نوع هو رقى ضارة. قال: كرقى الجاهلية وأهل الهند، وربما كانت كفرا. قال: ولهذا نهى مالك رحمه الله عن الرقى بالعجمية. وقال ابن زكري في شرح (النصيحة): ولا يقال لما يحدث ضررا رقى، بل ذلك يقال له سحر.