أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٤٨٧
الأمر الثاني من الأمرين المذكورين في أول هذا المبحث: هو إنما ثبت في صحيح البخاري من حديث ابن عمر، مما يدل على أن توقيت ذات عرق، لأهل العراق باجتهاد من عمر، كما قدمناه لا يعارض هذه الأدلة التي ذكرناها، على أنه منصوص، لاحتمال أن عمر لم يبلغه ذلك، فاجتهد فوافق اجتهاده توقيت النبي صلى الله عليه وسلم، وهو رضي الله عنه معروف أنه وافقه الوحي في مسائل متعددة، فلا مانع من أن تكون هذه منها لا شرعا ولا عقلا ولا عادة. وأما إعلال بعضهم حديث ذات عرق، بأن العراق لم تكن فتحت يومئذ فقد قال فيه ابن عبد البر: هي غفلة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت لأهل النواحي قبل الفتوح، لأنه علم أنها ستفتح، فلا فرق في ذلك بين الشام والعراق. انتهى بواسطة نقل ابن حجر في الفتح.
فروع تتعلق بهذه المسألة الفرع الأول: اعلم أن المواقيت الخمسة التي ذكرنا، مواقيت أيضا لكل من مر عليها من غير أهلها، وهو يريد النسك حجا كان أو عمرة، ففي حديث ابن عباس المتفق عليه، الذي ذكرناه في أول هذا المبحث بعد ذكر المواقيت المذكورة (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة) هذا لفظ البخاري في صحيحه من رواية ابن عباس: وفي لفظ في البخاري، عن ابن عباس: (هن لأهلهن ولكل آت أتى عليهن من غيرهم ممن أراد الحج والعمرة) وكلا اللفظين في صحيح مسلم من رواية ابن عباس وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم.
الفرع الثاني: اعلم أن من كان مسكنه أقرب إلى مكة من الميقات، فميقاته من موضع سكناه، ففي حديث ابن عباس المتفق عليه المذكور آنفا: (فمن كان دونهن فمهله من أهله) وفي رواية (فمن كان دونهن فمن أهله) وفي لفظ (ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ) كل هذه بالألفاظ في صحيح البخاري من حديث ابن عباس مرفوعا، واللفظان الأخيران منها في صحيح مسلم أيضا من حديث ابن عباس، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم.
الفرع الثالث: اعلم أن أهل مكة يهلون من مكة، وفي حديث ابن عباس المتفق عليه المذكور آنفا (حتى أهل مكة، يهلون منها)، وفي لفظ: (حتى أهل مكة يهلون من مكة)، وكلا اللفظين في الصحيحين من حديث ابن عباس المذكور، وهذا بالنسبة إلى الإهلال بالحج، لا خلاف فيه بين أهل العلم إلا ما ذكره بعضهم من أن المكي يجوز له أن يحرم من أي
(٤٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 482 483 484 485 486 487 488 489 490 491 492 ... » »»