من نصف رمي يوم عندهم كرمي اليوم يلزم فيه الدم، فلو رمى جمرة وثلاث حصيات من جمرة، وترك الباقي، فعليه دم، لأنه رمى عشر حصيات وترك إحدى عشر حصاة، فإن ترك أقل من نصف رمي يوم كأن ترك جمرة واحدة، فلا دم عليه، ولكن عليه الصداقة، عندهم، فيلزمه لكل حصاة نصف صاع من بر أو صاع من تمر، أو شعير إلا أن يبلغ ذلك دما فيقص ما شاء هكذا يقول. ولا أعلم له مستندا من النقل، وقد قدمنا أن الدم يلزم عند أبي حنيفة بفوات الرمي في يومه وليلته، التي بعده، ولو رماه من الغد في أيام التشريق، وخالفه في ذلك صاحباه. ومذهب الشافعي في هذه المسألة فيه اختلاف يرجع إلى قولين:
القول الأول: وعليه اقتصر صاحب المهذب: أنه إن ترك رمي الجمار الثلاث في يوم من أيام التشريق لزمه دم، وإن ترك ثلاث حصيات من جمرة، فما فوقها: لزمه دم لأن ثلاث حصيات فما فوقها يقع عليها اسم الجمع المطلق، فصار تركها كترك الجميع، وإن ترك حصاة واحدة فثلاثة أقوال:
الأول: يجب عليه ثلث دم.
والثاني: مد.
والثالث: درهم. وحكم الحصاتين كذلك، قيل: يلزم فيها ثلثا دم، وقيل: مدان وقيل درهمان، فإن ترك الرمي في أيام التشريق كلها، فعلى القول المشهور عندهم أنها كيوم واحد، فاللازم دم واحد. وإن قلنا: بأن كل يوم منفرد بوقته، فثلاثة دماء، وإن ترك رمي جمرة العقبة يوم النحر، ورمى أيام التشريق، فعلى القول بأن رمي يوم النحر كرمي يوم من أيام التشريق، لزمه على القول الأول أنها كيوم واحد دم واحد، وإن قلنا: بانفراد رمي يوم النحر عن أيام التشريق، لمخالفته لها وقتا وعددا، فإن قلنا: بالمشهور أن أيام التشريق كيوم واحد، لزمه دمان، وإن قلنا: بانفراد كل يوم منها عن الآخر بوقته، لزمه أربعة دماء.
القول الثاني: أن الجمرات الثلاث كلها كالشعرات الثلاث، فلا يكمل الدم في بعضها بل لا يلزم إلا بترك جميعها، بأن يترك رمي يوم، وعليه فإن ترك رمي جمرة من الجمار، ففيه الأقوال الثلاثة المشهورة عندهم، فيمن حلق شعرة أظهرها: مد، والثاني: درهم، والثالث: ثلث دم، فإن ترك جمرتين، فعلى هذا القياس، وهو لزوم مدين أو درهمين أو ثلثي دم، وعلى هذا لو ترك حصاة من جمرة، فعلى أن في الجمرة ثلث دم يلزمه في الحصاة جزء من واحد وعشرين جزءا من دم، وعلى أن فيها مد أو درهما، ففي الحصاة