أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٤١٧
فتصريحه تعالى بأن الصفا والمروة من شعائر الله، يدل على أن السعي بينهما أمر حتم لا بد منه، لأن شعائر الله عظيمة، لا يجوز التهاون بها. وقد أشار البخاري رحمه الله في صحيحه إلى أن كونهما من شعائر الله.
يدل على ذلك. قال: باب وجوب الصفا والمروة، وجعل من شعائر الله.
وقال ابن حجر في الفتح في شرح قول البخاري: وجعل من شعائر الله: أي وجوب السعي بينهما، مستفاد من كونهما جعلا من شعائر الله، قاله ابن المنير في الحاشية. انتهى الغرض من كلامه.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: ومما يدل على أن شعائر الله لا يجوز التهاون بها، وعدم إقامتها قوله تعالى * (ياأيها الذين ءامنوا لا تحلوا شعآئر الله) *. وقوله تعالى: * (ذالك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) *، ومن أدلتهم على ذلك (أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف في حجه وعمرته بين الصفا والمروة سبعا) وقد دل على أن ذلك لا بد منه دليلان:
الأول: هو ما قدمنا من أنه تقرر في الأصول أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم، إذا كان لبيان نص مجمل من كتاب الله، أن ذلك الفعل يكون لازما، وسعيه بين الصفا والمروة، فعل بين المراد من قوله تعالى: * (إن الصفا والمروة من شعآئر الله) * والدليل على أنه فعله بيانا للآية هو قوله صلى الله عليه وسلم (نبدأ بما بدأ الله به) يعني الصفا لأن الله بدأ بها في قوله: * (إن الصفا والمروة) *. وفي رواية (أبدأ) بهمزة المتكلم والفعل مضارع. وفي رواية عند النسائي (ابدؤوا بما بدأ الله به) بصيغة الأمر.
الدليل الثاني: أنه صلى الله عليه وسلم قال (لتأخذوا عني مناسككم) وقد طاف بين الصفا والمروة سبعا، فيلزمنا أن نأخذ عنه ذلك من مناسكنا، ولو تركناه لكنا مخالفين أمره بأخذه عنه، والله تعالى يقول: * (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) * فاجتماع هذه الأمور الثلاثة التي ذكرنا يدل على اللزوم: وهي كونه سعى بين الصفا والمروة سبعا، وأن ذلك بيان منه لآية من كتاب الله وأنه قال: (لتأخذوا عني مناسككم).
أما طوافه بينهما سبعا فهو ثابت بالروايات الصحيحة.
منها: حديث ابن عمر الثابت في الصحيح ولفظه في صحيح البخاري. قال: (قدم
(٤١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 412 413 414 415 416 417 418 419 420 421 422 ... » »»