في الذين كانوا يتحرجون أن يطوفوا بالجاهلية بالصفا والمروة، والذين يطوفون ثم تحرجوا أن يطوفوا بهما في الإسلام، من أجل أن الله تعالى أمر بالطواف بالبيت، ولم يذكر الصفا، حتى ذكر ذلك بعد ما ذكر الطواف بالبيت. انتهى من صحيح البخاري.
وهذا الحديث الصحيح صريح في أن النبي صلى الله عليه وسلم سن الطواف بين الصفا والمروة أي فرضه بالسنة، وقد أجابت عائشة عما يقال: إن رفع الجناح في قوله * (فلا جناح عليه أن يطوف بهما) * ينافي كونه فرضا بأن ذلك نزل في قوم، تحرجوا من السعي بين الصفا والمروة، وظنوا أن ذلك لا يجوز لهم، فنزلت الآية مبينة أن ما ظنوه من الحرج في ذلك منفي.
وقد تقرر في الأصول أن النص الوارد في جواب سؤال لا مفهوم مخالفة له، كما سيأتي إيضاحه إن شاء الله في هذه المسألة. وقال ابن حجر في: فتح الباري في الكلام على هذا الحديث:
تنبيه قول عائشة رضي الله عنها: سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بين الصفا والمروة أي فرضه بالسنة، وليس مرادها نفي فرضيته، ويؤيده قولها: لم يتم الله حج أحدكم، ولا عمرته ما لم يطف بينهما.
وقال مسلم رحمه الله في صحيحه: حدثنا يحيى بن يحيى، حدثنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قال: قلت لها: إني لا أظن رجلا لو لم يطف بين الصفا والمروة ما ضره. قالت لم؟ قلت: لأن الله تعالى يقول * (إن الصفا والمروة من شعآئر الله) * إلى آخر الآية فقالت: ما أتم الله حج امرئ، ولا عمرته لم يطف بين الصفا والمروة، ولو كان كما تقول، لكان * (فلا جناح عليه أن يطوف بهما) * الحديث، وفي رواية في صحيح مسلم، عن عروة قال: قلت لعائشة: (ما أرى علي جناحا أن لا أتطوف بين الصفا والمروة، قالت لم؟ قلت: لأن الله عز وجل يقول * (إن الصفا والمروة من شعآئر الله) * فقالت: لو كان كما تقول، لكان * (فلا جناح عليه أن يطوف بهما) * إنما أنزل هذا في أناس من الأنصار، كانوا إذا أهلوا لمناة في الجاهلية فلا يحل لهم أن يطوفوا بين الصفا والمروة، فلما قدموا مع النبي صلى الله عليه وسلم للحج ذكروا ذلك له، فأنزل الله تعالى هذه الآية، (فلعمري ما أتم الله حج من لم يطف بين الصفا والمروة) وفي رواية، عن عروة أيضا في