أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٤١٨
رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت سبعا، وصلى خلف المقام ركعتين، وطاف بين الصفا والمروة سبعا. لقد كان لكم في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة) وفي لفظ في صحيح مسلم، من حديث ابن عمر (فأتى الصفا، فطاف بالصفا والمروة سبعة أطواف) والروايات بسعيه صلى الله عليه وسلم سبعا بين الصفا والمروة كثيرة معروفة. وقد مثلنا لها بحديث ابن عمر المتفق عليه. وأما كون ذلك السعي بيانا لآية * (إن الصفا والمروة من شعآئر الله) *. فهو أمر لا شك فيه، ويدل عليه أمران:
أحدهما: سبب نزول الآية، لأنه ثبت في الصحيحين أنها نزلت في سؤالهم عن السعي بين الصفا والمروة، وإذا كانت نازلة جوابا عن سؤالهم عن حكم السعي، بين الصفا والمروة، فسعى النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزولها بيان لها.
والأمر الثاني: هو ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم (أبدأ بما بدأ الله به) يعني الصفا كما تقدم قريبا، وأما حديث (لتأخذوا عني مناسككم) فقد قال مسلم في صحيحه في باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا، وبيان قوله صلى الله عليه وسلم (لتأخذوا عني مناسككم):
حدثنا إسحاق بن إبراهيم، وعلي بن خشرم جميعا، عن عيسى بن يونس، قال ابن خشرم: أخبرنا عيسى، عن ابن جريج، أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر ويقول (لتأخذوا عني مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه) وقال البيهقي في السنن الكبرى: في باب الإيضاع في وادي محسر: وأخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، أنبأنا سليمان بن أحمد بن أيوب، ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أبو نعيم قال: وحدثنا حفص ثنا قبيصة قال: وحدثنا يوسف القاضي، ومعاذ بن المثنى قالا: ثنا ابن كثير، قالوا: ثنا سفيان، عن أبي الزبير، عن جابر قال: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه السكينة، وأمرهم بالسكينة، وأوضع في وادي محسر، وأمرهم أن يرموا الجمار مثل حصى الخذف، وقال (خذوا عني مناسككم لعلي لا أراكم بعد عامي هذا) انتهى منه. وقال النووي في شرح المهذب: إن هذا الإسناد الذي رواه به البيهقي صحيح على شرط البخاري، ومسلم.
واعلم أن رواية مسلم ورواية البيهقي المذكورتين معناهما واحد، لأن (خذوا عني مناسككم) بصيغة فعل الأمر يؤدي معنى قوله (لتأخذوا عني) بالفعل المضارع
(٤١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 413 414 415 416 417 418 419 420 421 422 423 ... » »»