والثاني: هو ما تقرر في الأصول، أن النص الدال على النهي يقدم على النص الدال على الإباحة، لأن درأ المفاسد مقدم على جلب المصالح، كما قدمناه مرارا. والعلم عند الله تعالى.
الفرع التاسع: اعلم أن أظهر أقوال العلماء، وأصحها إن شاء الله: أن الطواف لا يفتقر إلى نية تخصه، لأن نية الحج تكفي فيه، وكذلك سائر أعمال الحج كالوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة، والسعي، والرمي كلها لا تفتقر إلى نية، لأن نية النسك بالحج تشمل جميعها، وعلى هذا أكثر أهل العلم. ودليله واضح، لأن نية العبادة تشمل جميع أجزائها فكما لا يحتاج كل ركوع وسجود من الصلاة إلى نية خاصة لشمول نية الصلاة لجميع ذلك، فكذلك لا تحتاج أفعال الحج لنية تخص كل واحد منها، لشمول نية الحج لجميعها.
ومما استدلوا به لذلك، أنه لو وقف بعرفة ناسيا أجزأه ذلك بالإجماع، قاله النووي. ومقابل القول الذي هو الصواب إن شاء الله قولان آخران لأهل العلم:
أحدهما: وبه قال أبو علي بن أبي هريرة من الشافعية، أن ما كان منها مختصا بفعل كالطواف والسعي والرمي، فهو مفتقر إلى نية، وما كان منها غير مختص بفعل بل هو لبث مجرد كالوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة فهو لا يفتقر إلى نية.
والثاني منهما: وبه قال أبو إسحاق المروزي: أنه لا يفتقر شيء من أعمال الحج، إلى نية إلا الطواف، لأنه صلاة، والصلاة تفتقر إلى النية، وأظهرها وأصحها إن شاء الله الأول، وهو قول الجمهور.
الفرع العاشر: أظهر قولي العلماء عندي أنه إن أقيمت الصلاة وهو في أثناء الطواف أنه يصلي مع الناس ولا يستمر في طوافه مقدما إتمام الطواف على الصلاة، وممن قال بذلك: ابن عمر، وسالم، وعطاء، وأبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وأصحابهم، وأبو ثور. وروي ذلك عنهم في السعي أيضا ولكن عند المالكية لا يجوز قطع الطواف إلا للصلاة المكتوبة خاصة، إذا أقيمت، وهو في أثناء الطواف، ويبني عندهم إن قطعه للصلاة خاصة، ويندب عندهم إكمال الشوط إن قطعه في أثناء شوط، وإن قطعه لغيرها كصلاة الجنازة، أو تحصيل نفقة لا بد منها لم يبن على ما مضى منه، بل يستأنف الطواف عندهم، لأنه لا يجوز عندهم قطعه لذلك ابتداء، كما ذكرناه قريبا. وقيل: يمضي في طوافه، ولا