أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٤٢٨
* وقيل للوجوب أمر الرب * وأمر من أرسله للندب * * ومفهم الوجوب يدري الشرع * أو الحجا أو المفيد الوضع * وقال بعض أهل العلم: إن دلالة اللغة على اقتضاء الأمر الوجوب راجعة إلى دلالة الشرع، لأن الشرع هو الذي دل على وجوب طاعة العبد لسيده.
ومن أدلتهم على أن السعي بين الصفا والمروة لا بد منه: ما قدمنا من حديث ابن عمر عند الترمذي، أنه صلى الله عليه وسلم قال (من أحرم بالحج والعمرة أجزأه طواف واحد وسعي واحد منهما حتى يحل منهما جميعا) قال المجد في المنتقى: رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن غريب، وفيه دليل على وجوب السعي، ووقوف التحلل عليه. انتهى منه.
والذي رأيته في الترمذي لما ساق الحديث بلفظه المذكور: هو أنه قال: قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب صحيح، تفرد به الدراوردي على ذلك اللفظ، وقد رواه غير واحد عن عبيد الله بن عمر، ولم يرفعوه. وهو أصح. انتهى منه.
ومن أدلتهم على ذلك: ما جاء في بعض الروايات الثابتة في الصحيح، من أنه صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها (يجزئ عنك طوافك بين الصفا والمروة عن حجك وعمرتك) وهذا اللفظ في صحيح مسلم، قالوا: ويفهم من قوله (يجزئ عنك طوافك بين الصفا والمروة عن حجك وعمرتك) أنها لو لم تطف بينهما لم يحصل لها أجزاء عن حجها وعمرتها، هذا هو حاصل ما استدل به القائلون بأنه ركن من أركان الحج والعمرة.
وأما حجة الذين قالوا: إنه سنة لا يجب بتركه شيء، فهي قوله تعالى * (إن الصفا والمروة من شعآئر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم) * قالوا: فرفع الجناح في قوله * (فلا جناح عليه أن يطوف بهما) * دليل قرآني على عدم الوجوب، كما قاله عروة بن الزبير، لخالته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
والجواب عن الاستدلال بهذه الآية على عدم وجوب السعي: هو ما أجابت به عائشة عروة، فإنها أولا ذمت هذا التفسير لهذه الآية بقولها: بئس ما قلت يا ابن أختي، ومعلوم أن لفظة بئس فعل جامد لإنشاء الذم، وما ذمت تفسير الآية بما ذكر، إلا لأنه تفسير غير صحيح، وقد بينت له أن الآية نزلت جوابا لسؤال من ظن أن في السعي بين الصفا والمروة جناحا، وإذا فذكر رفع الجناح لمطابقة الجواب للسؤال، لا لإخراج المفهوم عن حكم
(٤٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 423 424 425 426 427 428 429 430 431 432 433 ... » »»