أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٤١٠
ووجه الجمع بين هذه الأحاديث الدالة على طوافه راكبا، مع الأحاديث الدالة على أنه طاف ماشيا: كأحاديث الرمل في الأشواط الثلاثة الأول، والمشي في الأربعة الأخيرة: هو (أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف طواف القدوم ماشيا، ورمل في أشواطه الثلاثة الأول، وطاف طواف الإفاضة في حجة الوداع راكبا) هو نص صريح صحيح، يبين أن من طاف، وسعى راكبا، فطوافه وسعيه كلاهما صحيح، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مع قوله (خذوا عني مناسككم) وقد قدمنا البحث مستوفى في المشي، والركوب في الحج مع مناقشة أدلة الفريقين. والعلم عند الله تعالى.. الفرع الثامن: أجمع العلماء على مشروعية صلاة ركعتين بعد الطواف، ولكنهم اختلفوا في ركعتي الطواف، هل حكمهما الوجوب أو السنية؟ فقال بعض أهل العلم: إن ركعتي الطواف واجبتان، واستدلوا لوجوبهما بصيغة الأمر في قوله * (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) * على قراءة ابن كثير، وأبي عمرو، وعاصم، وحمزة، والكسائي، قالوا: والنبي صلى الله عليه وسلم لما طاف: قرأ هذه الآية الكريمة، وصلى ركعتين خلف المقام، ممتثلا بذلك الأمر في قوله * (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) *. وقد قال صلى الله عليه وسلم (خذوا عني مناسككم) والأمر في قوله * (واتخذوا) * على القراءة المذكورة يقتضي الوجوب كما بيناه مرارا في هذا الكتاب المبارك. وقال جمهور العلماء: إن ركعتي الطواف من السنن، لا من الواجبات، واستدلوا لعدم وجوبهما بحديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه الثابت في الصحيح. قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أهل نجد، ثائر الرأس، يسمع دوي صوته، ولا يفقه ما يقول، فإذا هو يسأل عن الإسلام؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خمس صلوات في اليوم والليلة، فقال: هل علي غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع) الحديث. قالوا: وفي هذا الحديث الصحيح التصريح بأنه لا يجب شيء من الصلاة، غير الخمس المكتوبة، وقد يجاب عن هذا الاستدلال: بأن الأمر بصلاة ركعتي الطواف، خلف المقام وارد بعد قوله صلى الله عليه وسلم (لا. إلا أن تطوع) والعلم عند الله تعالى.
والمستحب أن يقرأ في الأولى من ركعتي الطواف * (قل ياأيها الكافرون) * وفي الثانية * (قل هو الله أحد) * كما هو ثابت في حديث جابر. وجمهور أهل العلم على أن ركعتي الطواف، لا يشترط في صحة صلاتهما أن تكون خلف المقام، بل لو صلاهما في أي موضع غيره صح ذلك. ولو طاف في وقت نهى، فأحد قولي أهل العلم: إنه يؤخر صلاتهما إلى وقت لا نهي عن النافلة فيه، ومما يدل على هذين
(٤١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 405 406 407 408 409 410 411 412 413 414 415 ... » »»