عندهم حق، إلا أنه عندهم أدخل العمرة على الحج فصار قارنا وصيرورته قارنا في آخر الأمر هي معنى أحاديث القران، فلا منافاة. أما الأحاديث الدالة على أنه كان متمتعا، فلا إشكال فيها، لأن السلف يطلقون اسم التمتع على القران من حيث إن فيه عمرة في أشهر الحج مع الحج، وكذلك أمره لأصحابه بالتمتع وتمنيه له، وتأسفه على فواته بسبب سوق الهدي في قوله: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي وجعلتها عمرة) كفعله له قالوا: وبهذا تتفق الأحاديث، ويكون التمتع المذكور بفسخ الحج في العمرة لبيان الجواز، وهو بهذا الاعتبار أفضل من غيره فلا ينافي أن الإفراد أفضل منه بالنظر إلى ذاته، كما سار عليه أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، قالوا: ولما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بفسخ الحج في العمرة أسفوا، لأنهم أحلوا وهو باق على إحرامه، فأدخل العمرة على الحج لتطيب نفوسهم، بأنه صار معتمرا مع حجه لما أمرهم بالعمرة والمانع له من أن يحل كما أحلوا هو سوق الهدي، قالوا فعمرتهم لبيان الجواز، وعمرته التي بها صار قارنا لمواساتهم لما شق عليهم أنه خالفهم، فصار تمتعهم وقرانه بهذا الاعتبار أولى من غيرهما، ولا يلزم من ذلك أفضليتهما في كل الأحوال، بعد زوال الموجب الحامل على ذلك.
قالوا: وهذا هو الذي لاحظه الخلفاء الراشدون: أبو بكر، وعمر، وعثمان رضي الله عنهم، فواظبوا على الإفراد نحو أربع وعشرين سنة، كلهم يأخذ بسنة الخليفة الذي قبله في ذلك.
قالوا: وما قاله جماعة من أجلاء العلماء، من أن بيان جواز العمرة في أشهر الحج عام حجة الوداع لا داعي له، لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين ذلك بيانا متكررا في سنين متعددة: وذلك لأنه اعتمر عمرة الحديبية عام ست، وعمرة القضاء عام سبع، وعمرة الجعرانة عام ثمان وكل هذه العمر الثلاث في ذي القعدة من أشهر بالحج.
قالوا: وهذا البيان المتكرر سنة بعد سنة كاف غاية الكفاية، فلا حاجة إلى بيان ذلك بأمر الصحابة بفسخ الحج في العمرة. وكذلك قوله (ومن شاء أن يهل بعمرة فليهل) المتقدم في حديث عائشة.
وإذا كان بيان ذلك لا حاجة إليه تعين أن الأمر بالفسخ المذكور لأفضلية التمتع على غيره لا بشيء آخر. لا شك في أنه ليس بصحيح، وأن بيان ذلك محتاج إليه غاية الاحتياج في حجة الوداع، ولشدة الاحتياج إلى ذلك البيان أمرهم صلى الله عليه وسلم بفسخ الحج في العمرة، والدليل على ذلك: هو ما ثبت في حديث ابن عباس المتفق عليه، وقد ذكرناه في أول هذا المبحث.