أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ١٧٩
العقلاء. لاحتمال كون اللازم أعم من الملزوم، ووجود الأعم لا يقتضي وجود الأخص كما هو معروف. ولذا أجمع النظار على استثناء عين التالي في الشرطي المتصل لا ينتج عين المقدم. لأن وجود اللازم لا يقتضي وجود الملزوم. والصواب ما مثلنا به من الجمع بملزوم العلة، لأن الملزوم هو الذي يقتضي وجوده وجود اللام كما هو معروف. فالشدة المطربة والإسكار متلازمان، ودلالة الشدة المطربة على الإسكار إنما هي من حيث إنها ملزوم له لا لازم، لما عرفت من أن وجود اللازم لا يقتضي وجود الملزم. واقتضاؤه له هنا إنما هو للملازمة بين الطرفين. لأن كلا منهما لازم للآخر وملزوم له للملازمة بينهما من الطرفين.
وأما قياس الشبه فقد اختلفت فيه عبارات أهل الأصول. فعرف بعضهم الشبه بأنه منزلة بين المناسب والطرد. وعرفه بعضهم بأنه المناسب بالتبع بالذات. ومعنى هذا كمعنى تعريف من عرفه بأنه المستلزم المناسب.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: عبارات أهل الأصول في الشبه الذي هو المسلك السادس من مسالك العلة عند المالكية والشافعية، كلها تدور حول شيء واحد، وهو أن الوصف الجامع في قياس الشبه يشبه المناسب من وجهه، ويشبه الوصف الطردي من جهة أخرى. وقد قدمنا في سورة (مريم) أن المناسب هو الوصف الذي تتضمن إناطة الحكم به مصلحة من جلب نفع أو دفع ضر، والطردي هو ما ليس كذلك، إما في جميع الأحكام وإما في بعضها: ولا خلاف بين أهل الأصول في أن ما يسمى بغلبة الأشباه لا يخرج عن قياس الشبه. لأن بعضهم يقول إنه داخل فيه، وهو الظاهر. وبعضهم يقول هو بعينه لا شيء آخر. وغلبة الأشياء هو إلحاق فرع متردد بين أصلين بأكثرهما شبها به. كالعبد فإنه متردد بين أصلين لشبهه بكل واحد منهما. فهو يشبه المال لكونه يباع ويشترى ويوهب ويورث إلى غير ذلك من أحوال المال. ويشبه الحر من حيث إنه إنسان ينكح ويطلق ويثاب ويعاقب، وتلزمه أوامر الشرع ونواهيه. وأكثر أهل العلم يقولون: إن شبهه بالمال أكثر من شبهه بالحر. لأنه يشبه المال في الحكم والصفة معا أكثر مما يشبه الحر فيهما.
فمن شبهه بالمال في الحكم كونه يباع ويشترى ويورث، ويوهب ويعار، ويدفع في الصداق والخلع، ويرهن إلى غير ذلك من التصرفات المالية.
ومن شبهه بالمال في الصفة كونه تتفاوت قيمته بحسب تفاوت أوصافه جودة
(١٧٩)
مفاتيح البحث: يوم عرفة (3)، سورة مريم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 ... » »»