أليم تدمر كل شىء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزى القوم المجرمين) * ثم قال: * (ولقد مكناهم فيمآ إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فمآ أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شىء إذ كانوا يجحدون بأايات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون) * فتأمل قوله: * (ولقد مكناهم فيمآ إن مكناكم فيه) * تجد المعنى: أن حكمكم كحكمهم، وأنا إذا كنا قد أهلكناهم بمعصية رسولنا ولم يدفع عنهم ما مكنوا فيه من أسباب العيش. فأنتم كذلك تسوية بين المتماثلين. وأن هذا محض عدل الله بين عباده. ومن ذلك قوله تعالى: * (أفلم يسيروا فى الا رض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها) * فأخبر أن حكم الشيء حكم مثله. وكذلك كل موضع أمر الله سبحانه فيه بالمسير في الأرض سواء كان السير الحسي على الأقدام والدواب، أو السير المعنوي بالتفكير والاعتبار، أو كان اللفظ يعمهما وهو الصواب، فإنه يدل على الاعتبار والحذر أن يحل بالمخاطبين ما حل بأولئك ولهذا أمر سبحانه أولي الأبصار باعتبار بما حل بالمكذبين، ولولا أن حكم النظير حكم نظيره حتى تعبر العقول منه إليه لما حصل الاعتبار، وقد نفى الله سبحانه عن حكمه وحكمته التسوية بين المختلفين في الحكم، فقال تعالى: * (أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون) * وأخبر أن هذا حكم باطل في الفطر والعقول، لا تليق نسبته إلى سبحانه. وقال تعالى: * (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين ءامنوا وعملوا الصالحات سوآء محياهم ومماتهم سآء ما يحكمون) *، وقال تعالى: * (أم نجعل الذين ءامنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين فى الا رض أم نجعل المتقين كالفجار) * أفلا تراه كيف ذكر العقول، ونبه الفطر بما أودع فيها من إعطاء النظير حكم نظيره، وعدم التسوية بين الشيء ومخالفه في الحكم. وكل هذا من الميزان الذي أنزله الله مع كتابه، وجعله قرينه ووزيره. فقال تعالى: * (الله الذى أنزل الكتاب بالحق والميزان) *، وقال: * (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط) *، وقال تعالى: * (الرحمان علم القرءان) * فهذا الكتاب ثم قال: * (والسمآء رفعها ووضع الميزان) * والميزان يراد به العدل، والآلة التي يعرف بها العدل وما يضاده. والقياس الصحيح الميزان، فالأولى تسميته بالاسم الذي سماه الله به. فإنه
(١٨٤)