أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ١٧٦
الفارق كقوله تعالى: * (فلا تقل لهمآ أف) * فالضرب المسكوت عنه أولى بالحكم الذي هو التحريم من التأفيف المنطوق به مع القطع بنفي الفارق، وكقوله تعالى: * (وأشهدوا ذوى عدل منكم) * فشهادة أربعة عدول المسكوت عنها أولى بالحكم وهو القبول من المنطوق به وهو شهادة العدلين مع القطع بنفي الفارق.
(والثاني منها) أن يكون المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق به أيضا، إلا أن نفي الفارق بينهما ليس قطعيا بل مظنونا ظنا قويا مزاحما لليقين. ومثاله نهيه صلى الله عليه وسلم عن التضحية بالعوراء. فالتضحية بالعمياء المسكوت عنها أولى بالحكم وهو المنع من التضحية بالعوراء المنطوق بها، إلا أن نفي الفارق بينهما ليس قطعيا بل منظونا ظنا قويا. لأن علة النهي عن التضحية بالعوراء كونها ناقصة ذاتا وثمنا وقيمة، وهذا هو الظاهر. وعليه فالعمياء أنقص منها ذاتا وقيمة. وهناك احتمال آخر: هو الذي منع من القطع بنفي الفارق، وهو احتمال أن تكون علة النهي عن التضحية بالعوراء: أن العور مظنة الهزال. لأن العوراء ناقصة البصر، وناقصة البصر تكون ناقصه الرعي لأنها لا ترى إلا ما يقابل عينا واحدة، ونقص الرعي مظنة للهزال. وعلى هذا الوجه فالعمياء ليست كالعوراء. لأن العمياء يختار لها أحسن العلف. فيكون ذلك مظنة لسمنها.
(والثالث منها) أن يكون المسكوت عنه مساويا للمنطوق به في الحكم مع القطع بنفي الفارق. كقوله تعالى: * (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما) *. فإحراق أموال اليتامى وإغراقها المسكوت عنه مساو للأكل المنطوق به في الحكم الذي هو التحريم والوعيد بعذاب النار مع القطع بنفي الفارق. (والرابع منها) أن يكون المسكوت عنه مساويا المنطوق به في الحكم أيضا: إلا أن نفي الفارق بينهما مظنون ظنا قويا مزاحما لليقين، ومثاله الحديث الصحيح (من أعتق شركا له في عبد..) الحديث المتقدم في (الإسراء والكهف) فإن المسكوت عنه وهو عتق بعض الأمة مساو للمنطوق به وهو عتق بعض العبد في الحكم الذي هو سراية العتق المبينة في الحديث المتقدم مرارا. إلا أن نفي الفارق بينهما مظنون ظنا قويا، لأن الذكورة والأنوثة بالنسبة إلى العتق وصفان طرديان لا يناط بهما حكم من أحكام العتق. كما قدمناه مستوفى في سورة (مريم) وهناك احتمال آخر هو الذي منع من القطع بنفي الفارق، وهو احتمال أن يكون الشارع نص على سراية العتق في خصوص العبد الذكر، مخصصا له بذلك الحكم دون الأنثى. لأن عتق الذكر يترتب عليه من الآثار الشرعية ما لا يترتب على عتق
(١٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 ... » »»