أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ١٧٥
العلم قد نقلوه، واحتجوا به. فوقفنا بذلك على صحته عندهم، كما وقفنا بذلك على صحة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا وصية لوارث). وقوله في البحر: (هو الطهور ماؤه، الحل ميتة) وقوله: (إذا اختلف المتبايعان في الثمن والسلعة قائمة تحالفا وترادا البيع)، وقوله: (الدية على العاقلة). وإن كانت هذه الأحاديث لا تثبت من جهة الإسناد ولكن لما تلقتها الكافة عن الكافة غنوا بصحتها عندهم عن طلب الإسناد لها. فكذلك حديث معاذا لما احتجوا به جميعا غنوا عن طلب الإسناد له انتهى منه. وحديث عمرو بن العاص وأبي هريرة الثابت في الصحيحين شاهد له كما قدمنا، وله شواهد غير ذلك ستراها إن شاء الله تعالى.
المسألة الثالثة اعلم أن الاجتهاد الذي دلت عليه نصوص الشرع أنواع متعددة:
(منها) الاجتهاد في تحقيق المناط، وقد قدمنا كثيرا من أمثلته في (الإسراء).
(ومنها) الاجتهاد في تنقيح المناط، ومن أنواعه: السبر، والتقسيم، والإلحاق بنفي الفارق.
واعلم أن الاجتهاد بإلحاق المسكوت عنه بالمنطوق به قسمان:
الأول الإلحاق بنفي الفارق، وهو قسم من تنقيح المناط كما ذكرناه آنفا. ويسمى عند الشافعي القياس في معنى الأصل، وهو بعينه مفهوم الموافقة. ويسمى أيضا للقياس الجلي.
والثاني من نوعي الإلحاق هو القياس المعروف بهذا الاسم في اصطلاح أهل الأصول.
أما القسم الأول الذي هو الإلحاق بنفي الفارق فلا يحتاج فيه إلى وصف جامع بين الأصل والفرع وهو العلة. بل يقال فيه: لم يوجد بين هذا المنطوق به وهذا المسكوت عنه فرق فيه يؤثر في الحكم البتة فهو مثله في الحكم. وأقسامه أربعة: لأن المسكوت عنه إما أن يكون مساويا للمنطق به في الحكم، أولى به منه، وفي كل منهما إما أن يكون نفي الفارق بينهما مقطوعا به أو مظنونا. فالمجموع أربعة:
(الأول منها) أن يكون المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق به مع القطع بنفي
(١٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 ... » »»