ظاهر القرآن أنه لا واسطة بينهما. كقوله: * (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) *، ثم قال في العمد: * (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزآؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه) *، فلم يجعل بين الخطأ والعمد واسطة، وكقوله تعالى: * (وليس عليكم جناح فيمآ أخطأتم به ولاكن ما تعمدت قلوبكم) *. فلم يجعل فيها بين الخطأ والعمد واسطة وإن كانت في غير القتل.
واحتج الجمهور على أن هناك واسطة بين الخطأ المحض، والعمد المحض، تسمى خطأ شبه عمد بأمرين:
الأول أن هذا هو عين الواقع في نفس الأمر. لأن من ضرب بعصا صغيرة أو حجر صغير لا يحصل به القتل غالبا وهو قاصد للضرب معتقدا أن المضروب لا يقتله ذلك الضرب. ففعله هذا شبه العمد من جهة قصده أصل الضرب وهو خطأ في القتل. لأنه ما كان يقصد القتل، بل وقع القتل من غير قصده إياه.
والثاني حديث دل على ذلك، وهو ما رواه أبو داود في سننه: حدثنا سليمان بن حرب، ومسدد المعنى قالا: حدثنا حماد، عن خالد، عن القاسم بن ربيعة، عن عقبة بن أوس، عن عبد الله بن عمرو: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مسدد: خطب يوم الفتح بمكة، فكبر ثلاثا ثم قال: (لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده (إلى ها هنا حفظته عن مسدد، ثم اتفقا): ألا أن كل مأثرة كانت في الجاهلية تذكر وتدعى من دم أو مال تحت قدمي، إلا ما كان من سقاية الحاج أو سدانة البيت ثم قال ألا إن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل، منها أربعون في بطونها أولادها، وحديث مسدد أتم.
حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا وهيب، عن خالد بهذا الإسناد نحو معناه.
حدثنا مسدد، ثنا عبد الوارث، عن علي بن زيد، عن القاسم بن ربيعة، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح أو فتح مكة على درجة البيت أو الكعبة.
قال أبو داود: كذا رواه ابن عيينة أيضا عن علي بن زيد، عن القاسم بن ربيعة، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم.