أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٣ - الصفحة ٩٦
وخالف الكوفيون فاحتجوا بحديث (لا قود إلا بالسيف) وهو حديث ضعيف أخرجه البزار، وابن عدي من حديث أبي بكرة. وذكر البزار الاختلاف فيه مع ضعف إسناده: وقال ابن عدي: طرقه كلها ضعيفة. وعلى تقدير ثبوته فإنه على خلاف قاعدتهم في: أن السنة لا تنسخ الكتاب ولا تخصصه.
واحتجوا أيضا بالنهي عن المثلة، وهو صحيح ولكنه محمول عند الجمهور على غير المثلة في القصاص جمعا بين الدليلين انتهى الغرض من كلام ابن حجر بلفظه.
وقال العلامة الشوكاني رحمه الله تعالى في (نيل الأوطار) ما نصه:
وذهبت العترة والكوفيون، ومنهم أبو حنيفة وأصحابه إلى أن الاقتصاص لا يكون إلا بالسيف. واستدلوا بحديث النعمان بن بشير عند ابن ماجة، والبزار، والطحاوي، والطبراني والبيهقي، بألفاظ مختلفة منها (لا قود إلا بالسيف). وأخرجه ابن ماجة أيضا، والبزار، والبيهقي من حديث أبي بكرة. وأخرجه الدارقطني، والبيهقي، من حديث أبي هريرة. وأخرجه الدارقطني من حديث علي. وأخرجه البيهقي، والطبراني من حديث ابن مسعود. وأخرجه ابن أبي شيبة عن الحسن مرسلا.
وهذه الطرق كلها لا تخلو واحدة منها من ضعيف أو متروك. حتى قال أبو حاتم: حديث منكر. وقال عبد الحق وابن الجوزي: طرقه كلها ضعيفة. وقال البيهقي: لم يثبت له إسناد. انتهى محل الغرض من كلام الشوكاني رحمه الله تعالى.
ولا شك في ضعف هذا الحديث عند أهل العلم بالحديث. وقد حاول الشيخ ابن التركماني تقويته في (حاشيته على سنن البيهقي) بدعوى تقوية جابر بن يزيد الجعفي، ومبارك بن فضالة. مع أن جابرا ضعيف رافضي، ومبارك يدلس تدليس التسوية.
قال مقيده عفا الله عنه: الذي يقتضي الدليل رجحانه عندي: هو القصاص مطلقا في القتل عمدا بمثقل كان أو بمحدد. لما ذكرنا من الأدلة، ولقوله جل وعلا: * (ولكم في القصاص حيواة) *. لأن القاتل بعمود أو صخرة كبيرة إذا علم أنه لا يقتص منه جرأه ذلك على القتل. فتنتفي بذلك الحكمة المذكورة في قوله تعالى: * (ولكم في القصاص حيواة) *. والعلم عند الله تعالى.
المسألة الرابعة جمهور العلماء على أن السلطان الذي جعله الله في هذه الآية لولي المقتول ظلما يستلزم الخيار بين ثلاثة أشياء: وهي القصاص، والعفو على الدية جبرا على
(٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 ... » »»