أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٣ - الصفحة ٤٥٤
إلا حرمه الله على النار) قال. يا رسول الله، أفلا أخبر بها الناس فيستبشروا؟ قال: (إذا يتكلوا) فأخبر بها معاذ عند موته تأثما، أي خوفا من الإثم بترك الخبر به. متفق عليه، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة. فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا) رواه مسلم. وعنه أيضا: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه) رواه البخاري ا ه محل الغرض منه. وقالت جماعة من أهل العلم، منهم الإمام أبو حنيفة رحمه الله وأصحابه، وجماعة من أهل الكوفة، وسفيان الثوري، والمزني صاحب الشافعي: إن تارك الصلاة عمدا تكاسلا وتهاو ا مع إقراره بوجوبها لا يقتل ولا يكفر. بل يعزر ويحبس حتى يصلي واحتجوا على عدم كفره بالأدلة التي ذكرنا آنفا لأهل القول الثاني. واحتجوا لعدم قتله بأدلة، منها حديث ابن مسعود المتفق عليه الذي قدمناه في سورة (المائدة) وغيرها: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) قالوا: هذا حديث متفق عليه، صرح فيه النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يحل دم مسلم إلا بإحدى ثلاث، ولم يذكر منها ترك الصلاة. فدل ذلك على أنه غير موجب للقتل. قالوا: والأدلة التي ذكرتم على قتله إنما دلت عليه بمفاهيمها أعني مفاهيم المخالفة كما تقدم إيضاحه. وحديث ابن مسعود دل على ما ذكرنا بمنطوقه والمنطوق مقدم على المفهوم. مع أن المقرر في أصول الإمام أبي حنيفة رحمه الله: أنه لا يعتبر المفهوم المعروف بدليل الخطاب الذي هو مفهوم المخالفة وعليه فإنه لا يعترف بدلالة الأحاديث المذكورة على قتله. لأنها إنما دلت عليه بمفهوم مخالفتها، وحديث ابن مسعود دل على ذلك بمنطوقه. ومنها قياسهم ترك الصلاة على ترك الصوم والحج مثلا. فإن كل واحد منهما من دعائم الإسلام ولم يقتل تاركها، فكذلك الصلاة.
أما الذين قالوا بأنه كافر، وأنه يقتل. فقد أجابوا عن حديث ابن مسعود: بأنه عام يخصص بالأحاديث الدالة على قتل تارك الصلاة. وعن قياسه على تارك الحج والصوم: بأنه فاسد الاعتبار لمخالفته للأحاديث المذكورة الدالة على قتله. وعن الأحاديث الدالة على عدم الكفر: بأن منها ما هو عام يخصص بالأحاديث الدالة على كفره. ومنها ما هو ليس كذلك كحديث عبادة بن الصامت الدال على أنه تحت المشيئة. فالأحاديث الدالة
(٤٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 449 450 451 452 453 454 455 456 457 458 459 ... » »»