أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٣ - الصفحة ٤٥٥
على كفره مقدمة عليه، لأنها أصح منه، لأن بعضها في صحيح مسلم وفيه التصريح بكفره وشركه. ومنها حديث عبادة بن الصامت المتفق عليه، مع حديث أم سلمة وعوف بن مالك في صحيح مسلم كما تقدم إيضاحه.
ورد القائلون بأنه غير كافر أدلة مخالفيهم بأن المراد بالكفر في الأحاديث المذكورة كفر دون كفر. وليس المراد الكفر المخرج عن ملة الإسلام. واحتجوا لهذا بأحاديث كثيرة يصرح فيها النبي صلى الله عليه وسلم بالكفر، وليس مراده الخروج عن ملة الإسلام. قال المجد (في المنتقى): وقد حملوا أحاديث التكفير على كفر النعمة، أو على معنى قد قارب الكفر وقد جاءت أحاديث في غير الصلاة أريد بها ذلك. فروى ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) متفق عليه: وعن أبي ذر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر، ومن ادعى ما ليس له فليس منا وليتبوأ مقعده من النار) متفق عليه. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت) رواه أحمد ومسلم. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان عمر يحلف (وأبى) فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (من حلف بشيء دون الله فقد أشرك) رواه أحمد. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مدمن الخمر إن مات لقي الله كعابد وثن) انتهى منه بلفظه. وأمثاله في السنة كثيرة جدا. ومن ذلك القبيل تسمية الرياء شركا. ومنه الحديث الصحيح في البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رأيت النار فلم أر منظرا كاليوم أفظع، ورأيت أكثر أهلها النساء) قالوا: بم يا رسول الله؟ قال: (بكفرهن) قيل: يكفرن بالله؟ قال: (يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان. لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئا قالت ما رأيت منك خيرا قط) هذا لفظ البخاري في بعض المواضع التي أخرج فيها الحديث المذكور. وقد أطلق فيه النبي صلى الله عليه وسلم اسم الكفر عليهن. فلما استفسروه عن ذلك تبين أن مراده غير الكفر المخرج عن ملة الإسلام.
هذا هو حاصل كلام العلماء وأدلتهم في مسألة ترك الصلاة عمدا مع الاعتراف بوجوبها. وأظهر الأقوال أدلة عندي: قول من قال إنه كافر. وأجرى الأقوال على مقتضى الصناعة الأصولية وعلوم الحديث قول الجمهور: إنه كفر غير مخرج عن الملة لوجوب الجمع بين الأدلة إذا أمكن. وإذا حمل الكفر والشرك المذكوران في الأحاديث على الكفر الذي لا يخرج عن الملة حصل بذلك الجمع بين الأدلة والجمع واجب إذا أمكن. لأن
(٤٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 450 451 452 453 454 455 456 457 458 459 460 ... » »»