أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٣ - الصفحة ٣٨٩
يشاء: إن شاء خلقه من أنثى بدون ذكر كما فعل بعيسى. وإن شاء خلقه من ذكر بدون أنثى كما فعل بحواء. كما نص على ذلك في قوله: * (وخلق منها زوجها) * أي خلق من تلك النفس التي هي آدم زوجها حواء. وإن شاء خلقه بدون الذكر والأنثى معا كما فعل بآدم. وإن شاء خلقه من ذكر وأنثى كما فعل بسائر بني آدم. فسبحان الله العظيم القادر على كل شيء؟ وما ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: من كونه جعل عيسى آية حيث ولدته أمه من غير زوج أشار له أيضا في (الأنبياء) بقوله: * (وجعلناها وابنهآ ءاية للعالمين) *، وفي (الفلاح) بقوله: * (وجعلنا ابن مريم وأمه ءاية وءاويناهمآ) *.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: * (ولنجعله ءاية للناس) * فيه حذف دل المقام عليه. قال الزمخشري في الكشاف: * (ولنجعله ءاية للناس) * تعليل معلله محذوف. أي ولنجعله آية للناس فعلنا ذلك. أو هو معطوف على تعليل مضمر، أي لنبين به قدرتنا ولنجعله آية. ونحوه * (وخلق الله السماوات والا رض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت) *، وقوله: * (وكذالك مكنا ليوسف فى الا رض ولنعلمه) * ا ه.
وقوله في هذه الآية * (ورحمة منا) * أي لمن آمن به. ومن كفر به فلم يبتغ الرحمة لنفسه، كما قال تعالى في نبينا صلى الله عليه وسلم: * (ومآ أرسلناك إلا رحمة للعالمين) *، وقوله تعالى: * (نتخذه ولدا وكذالك) * أي وكان وجود ذلك الغلام منك أمرا مقضيا، أي مقدرا في الأزل، مسطورا في اللوح المحفوظ لا بد من وقوعه، فهو واقع لا محالة. قوله تعالى: * (فحملته فانتبذت به مكانا قصيا فأجآءها المخاض إلى جذع النخلة قالت ياليتنى مت قبل هاذا وكنت نسيا منسيا) *. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن مريم حملت عيسى. فقوله * (حملته) * أي عيسى * (فانتبذت به) *: أي تنحت به وبعدت معتزلة عن قومها * (مكانا قصيا) * أي في مكانها بعيد: والجمهور على أن المكان المذكور بيت لحم. وفيه أقوال أخر غير ذلك. وقوله: * (فأجآءها المخاض) * أي ألجأها الطلق إلى جذع النخلة، أي جذع نخلة في ذلك المكان. والعرب تقول: جاء فلان، وأجاءه غيره: إذا حمله على المجيء،
(٣٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 384 385 386 387 388 389 390 391 392 393 394 ... » »»