أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٣ - الصفحة ٣٨٧
بالنفخ في الدرع الذي وصل إلى الفرج، فصار بسببه حملها عيسى. وبين تعالى في سورة (التحريم) أن هذا النفخ في فرجها في قوله تعالى: * (ومريم ابنة عمران التى أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا) *. والضمير في قوله (فيه) راجع إلى فرجها ولا ينافي ذلك قوله تعالى في (الأنبياء): * (والتى أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا) * لأن النفخ وصل إلى الفرج فكان منه حمل عيسى، وبهذا فسر الزمخشري في الكشاف الآية.
وقال بعض العلماء: قول جبريل * (ربك لاهب لك) * حكاية منه لقول الله جل وعلا. وعليه فالمعنى: إنما أنا رسول ربك، وقد قال لي أرسلتك لأهب غلاما. والأول أظهر. وفي الثاني بعد عن ظاهر اللفظ. وقال بعض العلماء: جعل الهبة من قبله لما كان الإعلام بها من قبله. وبهذا صدر القرطبي في تفسيره. وأظهرها الأول: والعلم عند الله تعالى. قوله تعالى: * (قالت أنى يكون لى غلام ولم يمسسنى بشر ولم أك بغيا) *. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن مريم لما بشرها جبريل بالغلام الزكي عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام قالت: * (أنى يكون لى غلام) * أي كيف ألد غلاما والحال أني لم يمسسني بشر. تعني لم يجامعني زوج بنكاح، * (ولم أك بغيا) *، أي لم أك زانية. وإذا انتفى عنها مسيس الرجال حلالا وحراما فكيف تحمل. والظاهر أن استفهامها استخبار واستعلام عن الكيفية التي يكون فيها حمل الغلام المذكور، لأنها مع عدم مسيس الرجال لم تتضح لها الكيفية. ويحتمل أن يكون استفهامها تعجب من كمال قدرة الله تعالى، وهذا الذي ذكر الله جل وعلا عنها: أنها قالته هنا ذكره عنها أيضا في سورة (آل عمران) في قوله تعالى: * (إذ قالت الملائكة يامريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والا خرة ومن المقربين ويكلم الناس فى المهد وكهلا ومن الصالحين قالت رب أنى يكون لى ولد ولم يمسسنى بشر) *. واقتصارها في آية (آل عمران) على قولها * (ولم يمسسنى بشر) * يدل على أن مسيس البشر المنفي عنها شامل للمسيس بنكاح والمسيس بزنى. كما هو الظاهر. وعليه فقولها في سورة (مريم): * (ولم يمسسنى بشر ولم أك بغيا) * يظهر فيه أن قولها (ولم أك بغيا): تخصيص بعد تعميم. لأن مسيس البشر يشمل الحلال
(٣٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 382 383 384 385 386 387 388 389 390 391 392 ... » »»