ما الحامل له على هذا الاختفاء؟ وظهوره أعظم لأجره، وأعلى في مرتبته، وأظهر لمعجزته. ثم لو كان باقيا بعده لكان تبليغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأحاديث النبوية، والآيات القرآنية، وإنكاره لما وقع من الأحاديث المكذوبة، والروايات المقلوبة، والآراء البدعية، والأهواء العصبية، وقتاله مع المسلمين في غزواتهم، وشهوده جمعهم وجماعاتهم، ونفعه إياهم، ودفعه الضرر عنهم مما سواهم، وتسديده العلماء والحكام، وتقريره الأدلة والأحكام أفضل مما يقال من كونه في الأمصار، وجوبه الفيافي والإفطار، واجتماعه بعباد لا تعرف أحوال كثير منهم، وجعله كالنقيب المترجم عنهم؟ ا وهذا الذي ذكرته لا يتوقف أحد فيه بعد التفهم، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. انتهى من البداية والنهاية لابن كثير رحمه الله تعالى.
فتحصل أن الأحاديث المرفوعة التي تدل على وجود الخضر حيا باقيا لم يثبت منها شيء. وأنه قد دلت الأدلة المذكورة على وفاته، كما قدمنا إيضاحه.
وممن بين ضعف الأحاديث الدالة على حياة الخضر، وبقائه ابن كثير في تاريخه وتفسيره. وبين كثيرا من أوجه ضعفها ابن حجر في الإصابة. وقال ابن كثير في البداية والنهاية بعد أن ساق الأحاديث والحكايات الواردة في حياة الخضر: وهذه الروايات والحكايات هي عمدة من ذهب إلى حياته إلى اليوم. وكل من الأحاديث المرفوعة ضعيفة جدا، لا تقوم بمثلها حجة في الدين.
والحكايات لا يخلو أكثرها من ضعف في الإسناد. وقصاراها أنها صحيحة إلي من ليس بمعصوم من صحابي أو غيره. لأنه يجوز عليه الخطأ (والله أعلم)، إلى أن قال رحمه الله: وقد تصدى الشيخ أبو الفرج بن الجوزي رحمه الله في كتابه (عجلة المنتظر في شرح حالة الخضر) للأحاديث الواردة في ذلك من المرفوعات فبين أنها موضوعات، ومن الآثار عن الصحابة والتابعين فمن بعدهم. فبين ضعف أسانيدها ببيان أحوالها، وجهالة رجالها، وقد أجاد في ذلك وأحسن الانتقاد ا ه منه.
واعلم أن جماعة من أهل العلم ناقشوا الأدلة التي ذكرنا أنها تدل على وفاته. فزعموا أنه لا يشمله عموم * (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد) * ولا عموم حديث: (أرأيتكم ليلتكم هذه فإنه على رأس مائة سنة لم يبق على ظهر الأرض أحد ممن هو عليها اليوم) كما تقدم. قال أبو عبد الله القرطبي في تفسيره رحمه الله تعالى: ولا حجة لمن استدل به يعني الحديث المذكور على بطلان قول من يقول: إن الخضر