السنن، ولعل مراده بجودة هذا الإسناد أن الحارث ابن أخي المغيرة بن شعبة وثقة ابن حبان، وأن أصحاب معاذ يراهم عدولا ليس فيهم مجروح ولا منهم، وسيأتي استقضاء البحث في طرق هذا الحديث في سورة الأنبياء. ومعلوم أن عبادة بن نسي ثقة فاضل كما قدمنا. وعبد الرحمن بن غنم قيل صحابي، وذكره العجلي في كبار ثقات التابعين، قاله في التقريب. وحديث معاذ هذا تلقته الأمة قديما وحديثا بالقبول. وسيأتي إن شاء الله (في سورة الأنبياء)، و (سورة الحشر) ما استدل به أهل العلم على هذا من آيات القرآن العظيم.
ومن الأدلة الدالة على أن إلحاق النظير بنظيره في الشرع جائز: ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن أمي ماتت وعليها صوم نذر، أفأصوم عنها؟ قال: (أفرأيت لو كان على أمك دين فقضيته، أكان يؤدي ذلك عنها)؟ قالت: نعم. قال: (فصومي عن أمك) وفي رواية لهما عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، أفأقضيه عنها؟ قال: (لو كان على أمك دين، أكنت قاضيه عنها)؟ قال: نعم. قال: (فدين الله أحق أن يقضى) انتهى.
واختلاف الرواية في هذا الحديث لا يعد اضطرابا، لأنها وقائع متعددة: سألته امرأة فأفتاها، وسأله رجل فأفتاه بمثل ما أفتى به المرأة، كما نبه عليه غير واحد.
وهذا نص صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، صريح في مشروعية إلحاق النظير بنظيره المشارك له في علة الحكم. لأنه صلى الله عليه وسلم بين إلحاق دين الله تعالى بدين الآدمي، بجامع أن الكل حق مطالب به تسقط المطالبة به بأدائه إلى مستحقه. وهو واضح في الدلالة على القياس كما ترى.
ومن الأدلة الدالة على ذلك أيضا: ما رواه الشيخان في صحيحيهما أيضا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل من بني فزارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي ولدت غلاما أسودا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هل لك إبل)؟ قال: نعم. قال: (فما ألوانها)؟ قال: حمر. قال: (فهل يكون فيها من أورق)؟ قال: إن فيها لورقا. قال: (فأني أتاها ذلك)؟ قال: عسى أن يكون نزعه عرق. قال: (وهذا عسى أن يكون نزعه عرق) اه.
فهذا نص صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم صريح في قياس النظير على نظيره. وقد ترتب على هذا القياس حكم شرعي، وهو كون سواد الولد مع بياض أبيه وأمه، ليس موجبا للعان.