أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٢ - الصفحة ١٠٤
قوله تعالى: * (ذالك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم * كدأب ءال فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنآ ءال فرعون وكل كانوا ظالمين * إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون * الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون * فإما تثقفنهم فى الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون * وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سوآء إن الله لا يحب الخائنين * ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون * وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وءاخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شىء فى سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون * وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم * وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذى أيدك بنصره وبالمؤمنين * وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما فى الا رض جميعا مآ ألفت بين قلوبهم ولاكن الله ألف بينهم إنه) *.
ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أنه لا يغير نعمة أنعمها على أحد إلا بسبب ذنب ارتكبه. وأوضح هذا المعنى في آيات أخر كقوله: * (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذآ أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال) *، وقوله: * (ومآ أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير) *، وقوله: * (مآ أصابك من حسنة فمن الله ومآ أصابك من سيئة فمن نفسك) * إلى غير ذلك من الآيات. * (ياأيها النبى حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين * ياأيها النبى حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون * اأان خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين * ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن في الا رض تريدون عرض الدنيا والله يريد الا خرة والله عزيز حكيم * لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيمآ أخذتم عذاب عظيم * فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم * ياأيها النبى قل لمن فى أيديكم من الا سرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا ممآ أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم * وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم والله عليم حكيم * إن الذين ءامنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم فى سبيل الله والذين ءاووا ونصروا أولائك بعضهم أوليآء بعض والذين ءامنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شىء حتى يهاجروا وإن استنصروكم فى الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير * والذين كفروا بعضهم أوليآء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة فى الا رض وفساد كبير * والذين ءامنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين ءاووا ونصروا أولائك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم * والذين ءامنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولائك منكم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شىء عليم) * قوله تعالى: * (ياأيها النبى حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) *.
قال بعض العلماء: إن قوله: * (ومن اتبعك) * في محل رفع بالعطف على اسم الجلالة، أي حسبك الله، وحسبك أيضا من اتبعك من المؤمنين.
وممن قال بهذا. والحسن، واختاره النحاس وغيره، كما نقله القرطبي، وقال بعض العلماء: هو في محل خفض بالعطف على الضمير الذي هو الكاف في قوله: * (حسبك) * وعليه، فالمعنى حسبك الله أي كافيك وكافي من اتبعك من المؤمنين، وبهذا قال الشعبي، وابن زيد وغيرهما، وصدر به صاحب الكشاف، واقتصر عليه ابن كثير وغيره، والآيات القرآنية تدل على تعيين الوجه الأخير، وأن المعنى كافيك الله، وكافي من اتبعك من المؤمنين لدلالة الاستقراء في القرآن على أن الحسب والكفاية لله وحده، كقوله تعالى: * (ولو أنهم رضوا مآ ءاتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنآ إلى الله راغبون) *، فجعل الإيتاء لله ورسوله، كما قال: * (ومآ ءاتاكم الرسول فخذوه) *، وجعل الحسب له وحده، فلم يقل: وقالوا حسبنا الله ورسوله، بل جعل الحسب مختصا به وقال: * (أليس الله بكاف عبده) *؟ فخص الكفاية التي هي الحسب به وحده، وتمدح تعالى بذلك في قوله: * (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) *، وقال تعالى: * (وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذى أيدك بنصره وبالمؤمنين) * ففرق بين الحسب والتأييد، فجعل الحسب له وحده، وجعل التأييد له بنصره وبعباده.
وقد أثنى سبحانه وتعالى على أهل التوحيد والتوكل من عباده حيث أفردوه
(١٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 ... » »»