أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٢ - الصفحة ٧٠
قال مقيده عفا الله عنه: هذه الأدلة التي استدل بها المالكية، لا تنهض فيما يظهر، لأن الأحاديث المذكورة لا يتعين وجه الدلالة فيها، لأنه يحتمل أن يكون الإمام مخيرا، فاختار إبقاءها للمسلمين، ولم يكن واجبا في أول الأمر، كما قدمنا.
والاستدلال بآية الحشر المذكورة: واضح السقوط، لأنها في الفيء، والكلام في الغنيمة، والفرق بينهما معلوم كما قدمنا.
قال مقيده: عفا الله عنه أظهر الأقوال دليلا أن الإمام مخير، ويدل عليه كلام عمر في الأثر المار آنفا، وبه تنتظم الأدلة، ولم يكن بينها تعارض، والجمع واجب متى ما أمكن.
وغاية ما في الباب: أن تكون السنة دلت على تخصيص واقع في عموم قوله تعالى: * (واعلموا أنما غنمتم من شىء) *.
وتخصيص الكتاب بالسنة كثير.
قال القرطبي في تفسير هذه الآية التي نحن بصددها، بعد أن ذكر القول بالتخيير: ما نصه: (قال شيخنا أبو العباس رضي الله عنه: وكأن هذا جمع بين الدليلين، ووسط بين المذهبين، وهو الذي فهمه عمر رضي الله عنه قطعا.
ولذلك قال: (لولا آخر الناس) فلم يخبر بنسخ فعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولا بتخصيصه بهم.
فإن قيل: لا تعارض بين الأدلة على مذهب الشافعي: لأن ما وقع فيه القسم من خيبر مأخوذ عنوة، وما لم يقسم منها مأخوذ صلحا، والنضير فيء، وقريظة قسمت.
ولو قال قائل: إنها فيء أيضا؛ لنزولهم على حكم النبي صلى الله عليه وسلم، قبل أن يحكم فيهم سعدا، لكان غير بعيد؛ ولكن يرده: أن النبي صلى الله عليه وسلم خمسها، كما قاله مالك، وغيره.
ومكة مأخوذة صلحا؛ بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن).
هذا ثابت في صحيح مسلم.
فالجواب: أن التحقيق أن مكة فتحت عنوة، ولذلك أدلة واضحة.
منها: أنه لم ينقل أحد أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح أهلها زمن الفتح، ولا جاءه أحد منهم؛ فصالحه على البلد؛ وإنما جاءه أبو سفيان؛ فأعطاه الأمان لمن دخل داره، أو أغلق بابه،
(٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 ... » »»