أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٢ - الصفحة ٤٦٣
ليكون لهم عدوا وحزنا) *. لأن العلة الغائية الباعثة لهم على التقاطه ليست هي أن يكون لهم عدوا، بل ليكون لهم قرة عين. كما قالت امرأة فرعون: * (قرة عين لى ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا) * ولكن لما كان كونه عدوا لهم وحزنا يترتب على التقاطهم له. كترتب المعلول على علته الغائية عبر فيه باللام الدالة على ترتيب المعلول على العلة. وهذا أسلوب عربي، فلا حاجة إلى ما يطيل به البيانيون في مثل هذا المبحث. * (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هاذا حلال وهاذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون * متاع قليل ولهم عذاب أليم * وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل وما ظلمناهم ولاكن كانوا أنفسهم يظلمون * ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم * إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين * شاكرا لانعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم * وءاتيناه فى الدنيا حسنة وإنه فى الا خرة لمن الصالحين * ثم أوحينآ إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين * إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون * ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين * وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين * واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك فى ضيق مما يمكرون * إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) * قوله تعالى: * (إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم) *. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: إن الذين يفترون عليه الكذب أي يختلقونه عليه كدعواهم أنه حرم هذا وهو لم يحرمه. ودعواهم له الشركاء والأولاد لا يفلحون. لأنهم في الدنيا لا ينالون إلا متاعا قليلا لا أهمية له، وفي الآخرة يعذبون العذاب العظيم، الشديد المؤلم.
وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر. كقوله في يونس: * (قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع فى الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون) *، وقوله: * (نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ) *، وقوله: * (قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير) *، إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله * (متاع قليل) * خبر مبتدإ محذوف. أي متاعهم في الدنيا متاع قليل. وقال الزمخشري: منفعتهم في الدنيا متاع قليل. وقوله * (لا يفلحون) * أي لا ينالون الفلاح، وهو يطلق على معنيين: أحدهما الفوز بالمطلوب الأكبر. والثاني البقاء السرمدي. كما تقدم بشواهده. قوله تعالى: * (وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل) *. هذا المحرم عليهم، المقصوص عليه من قبل المحال عليه هنا هو المذكور في (سورة الأنعام) في قوله: * (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذى ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهمآ إلا ما حملت ظهورهمآ أو الحوايآ أو ما اختلط بعظم ذالك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون) *.
وجملة المحرمات عليهم في هذه الآية الكريمة ظاهرة، وهو كل ذي ظفر: كالنعامة
(٤٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 458 459 460 461 462 463 464 465 466 467 468 ... » »»