أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٢ - الصفحة ٣١
. فبمجرد إضافة الصفة إليه، جل وعلا، يتبادر إلى الفهم أنه لا مناسبة بين تلك الصفة الموصوف بها الخالق، وبين شيء من صفات المخلوقين، وهل ينكر عاقل، أن السابق إلى الفهم المتبادر لكل عاقل: هو منافاة الخالق للمخلوق في ذاته، وجميع صفاته، لا والله لا ينكر ذلك إلا مكابر.
والجاهل المفتري الذي يزعم أن ظاهر آيات الصفات، لا يليق بالله. لأنه كفر وتشبيه، إنما جر إليه ذلك تنجيس قلبه، بقدر التشبيه بين الخالق والمخلوق، فأداه شؤم التشبيه إلى نفي صفات الله جل وعلا، وعدم الإيمان بها. مع أنه جل وعلا، هو الذي وصف بها نفسه، فكان هذا الجاهل مشبها أولا، ومعطلا ثانيا. فارتكب ما لا يليق الله ابتداء وانتهاء، ولو كان قلبه عارفا بالله كما ينبغي، معظما لله كما ينبغي، طاهرا من أقذار التشبيه. لكان المتبادر عنده السابق إلى فهمه: أو وصف الله جل وعلا، بالغ من الكمال، والجلال ما يقطع أوهام علائق المشابهة بينه وبين صفات المخلوقين، فيكون قلبه مستعدا للإيمان بصفات الكمال، والجلال الثابتة لله في القرآن والسنة الصحيحة، مع التنزيه التام عن مشابهة صفات الخلق على نحو قوله: * (ليس كمثله شىء وهو السميع البصير) *، فلو قال منقطع: بينوا لنا كيفية الاتصاف بصفة الاستواء واليد، ونحو ذلك لنعقلها. قلنا: أعرفت كيفية الذات المقدسة المتصفة بتلك الصفات؟ فلا بد أن يقول: لا. فتقول: معرفة كيفية الاتصاف بالصفات متوقفة على معرفة كيفية الذات، فسبحان من لا يستطيع غيره أن يحصي الثناء عليه هو، كما أثنى على نفسه: * (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما) *، * (ليس كمثله شىء وهو السميع البصير) *، * (قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد) *، * (فلا تضربوا لله الا مثال) *.
فتحصل من جميع هذا البحث أن الصفات من باب واحد، وأن الحق فيها متركب من أمرين:
الأول: تنزيه الله جل وعلا عن مشهابة الخلق.
والثاني: الإيمان بكل ما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم إثباتا، أو نفيا. وهذا هو معنى قوله تعالى: * (ليس كمثله شىء وهو السميع البصير) *، والسلف الصالح، رضي الله عنهم ما كانوا يشكون في شيء من ذلك، ولا كان يشكل عليهم. ألا ترى إلى قول الفرزدق وهو شاعر فقط، وأما من جهة العلم، فهو عامي: ليس كمثله شىء وهو السميع البصير) *، والسلف الصالح، رضي الله عنهم ما كانوا يشكون في شيء من ذلك، ولا كان يشكل عليهم. ألا ترى إلى قول الفرزدق وهو شاعر فقط، وأما من جهة العلم، فهو عامي:
* وكيف أخاف الناس والله قابض * على الناس والسبعين في راحة اليد *
(٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 ... » »»