أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٢ - الصفحة ١٣٦
ومن أمثلته عند الحنفية. قولهم: لما لم يجب القصاص من صغير المثقل. لم يجب من كبيره عكس المحدد لما وجب من صغيره وجب من كبيره.
ووجه هذا النوع من القياس في هذه المسألة التي نحن بصددها. هو أن العروض لا تجب في عينها الزكاة، فإذا كانت للتجارة والنماء. وجبت فيها الزكاة، عكس العين: فإن الزكاة واجبة في عينها، فإذا صيغت حليا مباحا للاستعمال، وانقطع عنها قصد التنمية بالتجارة، صارت لا زكاة فيها، فتعاكست أحكامها لتعاكسهما في العلة، ومنع هذا النوع من القياس بعض الشافعية، وقال ابن محرز: إنه أضعف من قياس الشبه، ولا يخفى أن القياس يعتضد به ما سبق من الحديث المرفوع، والآثار الثابتة عن بعض الصحابة، لما تقرر في الأصول، من أن موافقة النص للقياس من المرجحات، وأما وضع اللغة، فإن بعض العلماء يقول: الألفاظ الواردة في الصحيح، في زكاة العين لا تشمل الحلي في لسان العرب.
قال أبو عبيد: الرقة عند العرب: الورق المنقوشة ذات السكة السائرة بين الناس، ولا تطلقها العرب على المصوغ، وكذلك قيل في الأوقية.
قال مقيده: عفا الله عنه ما قاله أبو عبيد هو المعروف في كلام العرب، قال الجوهري في صحاحه: الورق الدراهم المضروبة، وكذلك الرقة، والهاء، عوض عن الواو، وفي القاموس: الورق مثلثة، وككتف: الدراهم المضروبة، وجمعه أوراق ووراق كالرقة.
هذا هو حاصل حجة من قال: لا زكاة في الحلي.
وما ادعاه بعض أهل العلم من الاحتجاج لذلك بعمل أهل المدينة، فيه أن بعض أهل المدينة مخالف في ذلك، والحجة بعمل أهل المدينة عند من يقول بذلك، ك (مالك)، إنما هي في إجماعهم على أمر لا مجال للرأي فيه، لا إن اختلفوا، أو كان من مسائل الاجتهاد، كما أشار له في (مراقي السعود) بقوله: وما ادعاه بعض أهل العلم من الاحتجاج لذلك بعمل أهل المدينة، فيه أن بعض أهل المدينة مخالف في ذلك، والحجة بعمل أهل المدينة عند من يقول بذلك، ك (مالك)، إنما هي في إجماعهم على أمر لا مجال للرأي فيه، لا إن اختلفوا، أو كان من مسائل الاجتهاد، كما أشار له في (مراقي السعود) بقوله:
* وأوجبن حجية للمدني * فيما على التوقيف أمره بني * وقيل مطلقا..! الخ.
لأن مراده بالمدني: الإجماع المدني الواقع من الصحابة، أو التابعين، لا ما اختلفوا فيه كهذه المسألة، وقيده بما بني على التوقيف دون مسائل الاجتهاد في القول الصحيح.
وأما حجة القائلين بأن الحلي تجب فيه الزكاة: فهي منحصرة في أربعة أمور أيضا:
الأول: أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوجب الزكاة في الحلي.
الثاني: آثار وردت بذلك عن بعض الصحابة.
الثالث: وضع اللغة.
الرابع: القياس.
أما الأحاديث الواردة بذلك. فمنها ما رواه أبو داود في سننه، حدثنا أبو كامل، وحميد بن مسعدة. (المعنى) أن خالد بن الحارث حدثهم: ثنا حسين، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: (أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعها ابنة لها، وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب، فقال لها: أتعطين زكاة هذا؟ قالت: لا، قال: أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ ا قال: فخلعتهما، فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: هما لله عز وجل ولرسوله).
وقال النسائي في سننه: أخبرنا إسماعيل بن مسعود، قال حدثنا خالد، عن حسين، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده (أن امرأة من أهل اليمن أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت لها، في يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب فقال: (أتؤدين زكاة هذا؟) قالت: لا قال: (أيسرك أن يسورك الله عز وجل بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ ا) قال: فخلعتهما، فألقتهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هما لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا المعتمر بن سليمان قال: سمعت حسينا قال: حدثني عمرو بن شعيب قال جاءت امرأة، ومعها بنت لها، وفي يد ابنتها مسكتان. نحوه مرسل. قال أبو عبد الرحمن: خالد أثبت من المعتمر. اه.
وهذا الحديث الذي أخرجه أبو داود والنسائي من طريق حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب: أقل درجاته الحسن، وبه تعلم أن قول الترمذي رحمه الله: لا يصح في الباب شيء. غير صحيح. لأنه لم يعلم برواية حسين المعلم له عن عمرو بن شعيب. بل جزم بأنه لم يرو عن عمرو بن شعيب إلا من طريق ابن لهيعة، والمثنى بن الصباح، وقد تابعهما حجاج بن أرطاة والجميع ضعاف.
ومنها ما رواه أبو داود أيضا، حدثنا محمد بن عيسى. ثنا عتاب يعني ابن بشير عن ثابت بن عجلان، عن عطاء، عن أم سلمة قالت: كنت ألبس أوضاحا من ذهب فقلت: يا رسول الله أكنز هو؟ فقال: (ما بلغ أن تؤدي زكاته، فزكي فليس بكنز)، وأخرج نحوه الحاكم، والدارقطني، والبيهقي. اه.
ومنها ما رواه أبو داود أيضا، حدثنا محمد بن إدريس الرازي، ثنا عمرو بن الربيع بن طارق، ثنا يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن أبي جعفر: أن محمد بن عمرو بن عطاء أخبره، عن عبد الله بن شداد بن الهاد أنه قال: دخلنا على عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى في يدي فتخات من ورق، فقال: (ما هذا يا عائشة؟ ا) فقلت: صنعتهن أتزين لك يا رسول الله، قال: (أتؤدين زكاتهن؟) قلت: لا، أو ما شاء الله، قال: (هو حسبك من النار).
حدثنا صفوان بن صالح، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا سفيان عن عمر بن يعلى، فذكر الحديث نحو حديث الخاتم، قيل لسفيان كيف تزكيه؟ قال: تضمه إلى غيره. اه.
(١٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 132 133 134 135 136 136 136 136 137 138 139 ... » »»