أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٢ - الصفحة ١٣٦
وقد قدمنا في سورة (البقرة) الكلام على مخالفة الصحابي، لما روي في آية الطلاق، وبالجملة فلا يخفى أنه يبعد أن تعلم عائشة أن عدم زكاة الحلي فيه الوعيد من النبي لها بأنه حسبها من النار ثم تترك إخراجها بعد ذلك عمن في حجرها، مع أنها معروف عنها القول: بوجوب الزكاة في أموال اليتامى.
ومن أجوبة أهل هذا القول: أن المراد بزكاة الحلي عاريته، ورواه البيهقي، عن ابن عمر، وسعيد بن المسيب، والشعبي، في إحدى الروايتين عنه.
هذا حاصل الكلام في هذه المسألة.
وأقوى الوجوه بحسب المقرر في الأصول وعلم الحديث، الجمع إذا أمكن، وقد أمكن، هنا:
قال مقيده عفا الله عنه: وإخراج زكاة الحلي أحوط لأن (من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه) (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) والعلم عند الله تعالى.
المسألة الرابعة: اعلم أن جماهير علماء المسلمين من الصحابة ومن بعدهم على وجوب الزكاة في عروض التجارة، فتقوم عند الحول، ويخرج ربع عشرها كزكاة العين، قال ابن المنذر: أجمع عامة أهل العلم على وجوب زكاة التجارة، قال: رويناه عن عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله، وابن عباس، والفقهاء السبعة، سعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، وخارجة بن زيد، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وسليمان بن يسار، والحسن البصري، وطاوس، وجابر بن زيد، وميمون بن مهران، والنخعي، ومالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، والنعمان، وأصحابه، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وأبي عبيد، اه: بواسطة نقل النووي في (شرح المهذب)، وابن قدامة، في (المغني)، ولمالك رحمه الله، تفصيل في عروض التجارة، لأن عروض التجارة عنده تنقسم إلى عرض تاجر مدير، وعرض تاجر محتكر، فالمدير هو الذي يبيع ويشتري دائما، والمحتكر هو الذي يشتري السلع ويتربص بها حتى يرتفع سعرها فيبيعها، وإن لم يرتفع سعرها لم يبعها ولم مكثت سنين.
فعروض المدير عنده وديونه التي يطالب بها الناس إن كانت مرجوة يزكيها عند كل حول: والدين الحال يزكيه بالعدد. والمؤجل بالقيمة.
أما عرض المحتكر فلا يقوم عنده ولا زكاة فيه حتى يباع بعين فيزكي العين على حول أصل العرض. وإلى هذا أشار ابن عاشر، في (المرشد المعين) بقوله: أما عرض المحتكر فلا يقوم عنده ولا زكاة فيه حتى يباع بعين فيزكي العين على حول أصل العرض. وإلى هذا أشار ابن عاشر، في (المرشد المعين) بقوله:
* والعرض ذو التجر ودين من أدار * قيمتها كالعين ثم ذو احتكار * * زكى لقبض ثمن أو دين * عينا بشرط الحول للأصلين * زاد مالك في مشهور مذهبه شرطا، وهو أنه يشترط في وجوب تقويم عروض المدير أن يصل يده شيء ناص من ذات الذهب أو الفضة، ولو كان ربع درهم أو أقل، وخالفه ابن حبيب من أهل مذهبه، فوافق الجمهور في عدم اشتراط ذلك.
ولا يخفى أن مذهب الجمهور هو الظاهر، ولم نعلم بأحد من أهل العلم خالف في وجوب زكاة عروض التجارة، إلا ما يروى عن داود الظاهري، وبعض أتباعه.
ودليل الجمهور، آية: وأحاديث: وآثار: وردت بذلك عن بعض الصحابة رضي الله عنهم. ولم يعلم أن أحدا منهم خالف في ذلك، فهو إجماع سكوتي.
فمن الأحاديث الدالة على ذلك: ما رواه أبو ذر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (في الإبل صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البز صدقته) الحديث: أخرجه الحاكم، والدارقطني، والبيهقي.
وقال النووي في (شرح المهذب) هذا الحديث رواه الدارقطني، في سننه والحاكم أبو عبد الله، في (المستدرك) والبيهقي، بأسانيدهم، ذكره الحاكم، بإسنادين: ثم قال: هذان الإسنادان صحيحان على شرط البخاري ومسلم، اه.
ثم قال: قوله: (وفي البز صدقته) هو بفتح الباء وبالزاي. هكذا رواه جميع الرواة، وصرح بالزاي الدارقطني، والبيهقي، وقال ابن حجر في (التلخيص): حديث أبي ذر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (في الإبل صدقتها وفي البز صدقته) أخرجه الدارقطني، عن أبي ذر من طريقين، وقال في آخره: وفي البز صدقته، قالها بالزاي، وإسناده غير صحيح مداره على موسى بن عبيدة الربذي، وله عنده طريق ثالث من رواية ابن جريج، عن عمران بن أبي أنس، عن مالك بن أوس، عن أبي ذر، وهو معلول لأن ابن جريج، رواه عن عمران: أنه بلغه عنه، ورواه الترمذي في العلل من هذا الوجه وقال: سألت البخاري عنه فقال: لم يسمعه ابن جريج من عمران، وله طريقة رابعة، رواه الدارقطني أيضا، والحاكم، من طريق سعيد بن سلمة بن أبي الحسام عن عمران، ولفظه (في الإبل صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي البز صدقته) ومن رفع دراهم أو دنانير لا يعدها لغريم. ولا ينفقها في سبيل الله، فهو كنز يكوى به يوم القيامة، وهذا إسناد لا بأس به، اه.
فترى ابن حجر قال: إن هذا الإسناد لا بأس به مع ما قدمنا عن الحاكم من صحة الإسنادين المذكورين، وتصحيح النووي لذلك والذي رأيته في سنن البيهقي: أن سعيد بن سلمة بن أبي الحسام يروي الحديث عن موسى المذكور، عن عمران، لا عن عمران مباشرة فانظره.
فإن قيل قال ابن دقيق العيد: الذي رأيته في نسخة من (المستدرك) في هذا الحديث: البر بضم الموحدة وبالراء المهملة، ورواية الدارقطني: التي صرح فيها بالزاي في لفظة البز في الحديث ضعيفة، وإذن فلا دليل في الحديث على تقرير صحته على وجوب زكاة عروض التجارة.
فالجواب هو ما قدمنا عن النووي، من أن جميع رواته رووه بالزاي، وصرح بأنه بالزاي البيهقي، والدارقطني، كما تقدم.
(١٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 134 135 136 136 136 136 137 138 139 140 141 ... » »»