الوجه الثالث: وهو اختيار ابن جرير أن الوقف تام على قوله في * (السماوات) * وقوله * (وفى الأرض) * يتعلق بما بعده أي يعلم سركم وجهركم في الأرض ومعنى هذا القول: إنه جل وعلا مستو على عرشه فوق جميع خلقه مع أنه يعلم سر أهل الأرض وجهرهم لا يخفى عليه شيء من ذلك. ويبين هذا القول ويشهد له قوله تعالى: * (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا) *؟ الآية وقوله: * (الرحمان على العرش استوى) * مع قوله: * (وهو معكم أين ما كنتم) * وقوله: * (فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غآئبين) * وسيأتي إن شاء الله تحقيق هذا المقام بإيضاح في سورة الأعراف. واعلم أن ما يزعمه الجهمية من أن الله تعالى في كل مكان مستدلين بهذه الآية على أنه في الأرض ضلال مبين وجهل بالله تعالى لأن جميع الأمكنة الموجودة أحقر وأصغر من أن يحل في شيء منها رب السماوات والأرض الذي هو أعظم من كل شيء وأعلى من كل شيء محيط بكل شيء ولا يحيط به شئ فالسماوات والأرض في يده جل وعلا أصغر من حبة خردل في يد أحدنا وله المثل الأعلى فلو كانت حبة خردل في يد رجل فهل يمكن أن يقال: إنه حال فيها أو في كل جزء من أجزائها. لا وكلا هي أصغر وأحقر من ذلك فإذا علمت ذلك فاعلم أن رب السماوات والأرض أكبر من كل شيء وأعظم من كل شيء محيط بكل شيء ولا يحيط به شيء ولا يكون فوقه شيء * (لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين) * سبحانه وتعالى علوا كبيرا لا نحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه * (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما) *. * () * قوله تعالى: * (ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين) *.
ذكر في هذه الآية الكريمة أن الكفار لو نزل الله عليهم كتابا مكتوبا في قرطاس أي صحيفة إجابة لما اقترحوه كما قال تعالى عنهم: * (ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه الآية) * فعاينوا ذلك الكتاب المنزل ولمسته أيديهم لعاندوا وادعوا أن ذلك من أجل أنه سحرهم وهذا العناد واللجاج العظيم والمكابرة الذي هو شأن الكفار بينه تعالى في آيات كثيرة كقوله: * (ولو فتحنا عليهم بابا من السماء