.
وأما من لم تبلغه دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم فله حكم أهل الفترة الذين لم يأتهم رسول والله تعالى أعلم.
قوله تعالى: * (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون *) *.
هذه الآية الكريمة تدل على أن الله جل وعلا الذي أحاط علمه بكل موجود ومعدوم يعلم المعدوم الذي سبق في الأزل أنه لا يكون لو وجد كيف يكون. لأنه يعلم أن رد الكفار يوم القيامة إلى الدنيا مرة أخرى لا يكون ويعلم هذا الرد الذي لا يكون لو وقع كيف يكون كما صرح به بقوله * (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون) * وهذا المعنى جاء مصرحا به في آيات أخر.
فمن ذلك أنه تعالى سبق في علمه أن المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك لا يخرجون إليها معه صلى الله عليه وسلم والله ثبطهم عنها لحكمة. كما صرح به في قوله * (ولاكن كره الله انبعاثهم فثبطهم الآية) *. وهو يعلم هذا الخروج الذي لا يكون لو وقع كيف يكون. كما صرح به تعالى في قوله * (لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا) *. ومن الآيات الدالة على المعنى المذكور قوله تعالى * (ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون) * إلى غير ذلك من الآيات. * (قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولاكن الظالمين بأايات الله يجحدون * ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين * وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغى نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بأاية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين * إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون * وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزل آية ولاكن أكثرهم لا يعلمون * وما من دآبة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شئ ثم إلى ربهم يحشرون * والذين كذبوا بأاياتنا صم وبكم في الظلمات من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم) * قوله تعالى: * (قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون) *.
صرح تعالى في هذه الآية الكريمة بأنه يعلم أن رسوله صلى الله عليه وسلم يحزنه ما يقوله الكفار من تكذيبه صلى الله عليه وسلم وقد نهاه تعالى عن هذا الحزن المفرط في مواضع أخر كقوله: * (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) * وقوله: * (فلا تأس على القوم الكافرين) * قوله: * (فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا) * وقوله: * (لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين) *: الباخع هو المهلك نفسه ومنه قول غيلان بن عقبة. الطويل.
* ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه * لشئ نحته عن يديه المقادر * وقوله * (لعلك باخع) * في الآيتين يراد به النهي عن ذلك ونظيره * (فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك) * أي لا تهلك نفسك حزنا عليهم في الأول ولا تترك بعض ما يوحى إليك في الثاني.