أضواء البيان - الشنقيطي - ج ١ - الصفحة ٤٠٨
ربما أطلق في الشرع مرادا به المعصية تارة والكفر المخرج من الملة أخرى * (ومن لم يحكم بما أنزل الله) * معارضة للرسل وإبطالا لأحكام الله فظلمه وفسقه وكفره كلها كفر مخرج عن الملة * (ومن لم يحكم بما أنزل الله) * معتقدا أنه مرتكب حراما فاعل قبيحا فكفره وظلمه وفسقه غير مخرج عن الملة وقد عرفت أن ظاهر القرآن يدل على أن الأولى في المسلمين والثانية في اليهود والثالثة في النصارى والعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب وتحقيق أحكام الكل هو ما رأيت والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى: * (وكتبنا عليهم فيهآ أن النفس بالنفس الآية) *.
قد قدمنا احتجاج أبي حنيفة رحمه الله تعالى بعموم هذه الآية كما ذهب إليه جمهور العلماء وذلك في قوله تعالى: * (فمن تصدق به فهو كفارة له) *.
ومن المعلوم أن الكافر ليس من المتصدقين الذين تكون صدقتهم كفارة لهم لأن الكفر سيئة لا تنفع معها حسنة نبه على هذا إسماعيل القاضي في (أحكام القرآن) كما نقله ابن حجر في (فتح الباري) وما ذكره إسماعيل القاضي من أن الآية تدل أيضا على عدم دخول العبد بناء على أنه لا يصح له التصدق بجرحه لأن الحق لسيده غير مسلم لأن من العلماء من يقول: إن الأمور المتعلقة ببدن العبد كالقصاص له العفو فيها دون سيده وعليه فلا مانع من تصدقه بجرحه وعلى قول من قال: إن معنى * (فهو كفارة له) * أن التصدق بالجناية كفارة للجاني لا للمجني عليه فلا مانع أيضا من الاستدلال المذكور بالآية لأن الله لا يذكر عن الكافر أنه متصدق لأن الكافر لا صدقة له لكفره وما هو باطل لا فائدة فيه لا يذكره الله تعالى في معرض التقرير والإثبات مع أن هذا القول ضعيف في معنى الآية.
وجمهور العلماء من الصحابة فمن بعدهم على أن معناها فهو كفارة للمتصدق وهو أظهر. لأن الضمير فيه عائد إلى مذكور وذلك في المؤمن قطعا دون الكافر فالاستدلال بالآية ظاهر جدا.
تنبيه احتج بعض العلماء بهذه الآية الكريمة على أنه لا يقتل اثنان بواحد لأنهما لو قتلا به لخرج عن قوله: * (أن النفس بالنفس) * لكونهما نفسين بنفس واحدة.
(٤٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 403 404 405 406 407 408 409 410 411 412 413 ... » »»