أضواء البيان - الشنقيطي - ج ١ - الصفحة ٤١٣
. ونهى في موضع آخر عن توليهم مبينا سبب التنفير منه. وهو قوله: * (يا أيها الذين ءامنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور) *.
وبين في موضع آخر: أن محل ذلك فيما إذا لم تكن الموالاة بسبب خوف وتقية وإن كانت بسبب ذلك فصاحبها معذور وهو قوله تعالى: * (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ إلا أن تتقوا منهم تقاة) * فهذه الآية الكريمة فيها بيان لكل الآيات القاضية بمنع موالاة الكفار مطلقا وإيضاح لأن محل ذلك في حالة الاختيار وأما عند الخوف والتقية فيرخص في موالاتهم بقدر المداراة التي يكتفي بها شرهم ويشترط في ذلك سلامة الباطن من تلك الموالاة. الوافر.
* ومن يأتي الأمور على اضطرار * فليس كمثل آتيها اختيار * ويفهم من ظواهر هذه الآيات أن من تولى الكفار عمدا اختيارا رغبة فيهم أنه كافر مثلهم.
قوله تعالى: * (فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ويقول الذين ءامنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين) *.
ذكر في هذه الآية الكريمة أن الذين في قلوبهم مرض وهم المنافقون يعتذرون عن موالاة الكفار من اليهود بأنهم يخشون أن تدور عليهم الدوائر أي دول الدهر الدائرة من قوم إلى قوم كما قال الشاعر: الوافر:
* إذا ما الدهر جر على أناس * كلا كله أناخ بآخرينا * يعنون إما بقحط فلا يميروننا ولا يتفضلوا علينا وإما بظفر الكفار بالمسلمين فلا يدوم الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه زعما منهم أنهم عند تقلب الدهر بنحو ما ذكر. يكون لهم أصدقاء كانوا محافظين على صداقتهم فينالون منهم ما يؤمل الصديق من صديقه وأن المسلمين يتعجبون من كذبهم في إقسامهم بالله جهد أيمانهم إنهم لمع المسلمين: وبين في هذه الآية: أن تلك الدوائر التي حافظوا من أجلها على صداقة
(٤١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 408 409 410 411 412 413 414 415 416 417 418 ... » »»