أضواء البيان - الشنقيطي - ج ١ - الصفحة ٤٠٣
قال مقيده عفا الله عنه: التحقيق في معنى الوسيلة هو ما ذهب إليه عامة العلماء من أنها التقرب إلى الله تعالى بالإخلاص له في العبادة على وفق ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وتفسير ابن عباس داخل في هذا لأن دعاء الله والابتهال إليه في طلب الحوائج من أعظم أنواع عبادته التي هي الوسيلة إلى نيل رضاه ورحمته.
وبهذا التحقيق تعلم أن ما يزعمه كثير من ملاحدة أتباع الجهال المدعين للتصوف من أن المراد بالوسيلة في الآية الشيخ الذي يكون له واسطة بينه وبين ربه أنه تخبط في الجهل والعمى وضلال مبين وتلاعب بكتاب الله تعالى واتخاذ الوسائط من دون الله من أصول كفر الكفار كما صرح به تعالى في قوله عنهم: * (ما نعبدهم إلا ليقربونآ إلى الله زلفى) * وقوله: * (ويقولون هاؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون) * فيجب على كل مكلف أن يعلم أن الطريق الموصلة إلى رضى الله وجنته ورحمته هي اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم ومن حاد عن ذلك فقد ضل سواء السبيل * (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به) *.
والظاهر أن الوسيلة في بيت عنترة معناها التقرب أيضا إلى المحبوب لأنه وسيلة لنيل المقصود منه ولذا أنشد بيت عنترة المذكور ابن جرير والقرطبي وغيرهما لهذا المعنى الذي ذكرنا وجمع الوسيلة: الوسائل ومنه قول الشاعر: الطويل:
* إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا * وعاد التصافي بيننا والوسائل * وهذا الذي فسرنا به الوسيلة هنا هو معناها أيضا في قوله تعالى: * (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب) * وليس المراد بالوسيلة أيضا المنزلة التي في الجنة التي أمرنا صلى الله عليه وسلم أن نسأل له الله أن يعطيه إياها نرجو الله أن يعطيه إياها لأنها لا تنبغي إلا لعبد وهو يرجو أن يكون هو.
قوله تعالى: * (يقولون إن أوتيتم هاذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا) *.
في هذه الآية الكريمة إجمال لأن المشار إليه بقوله * (هاذا) * ومفسر الضمير في قوله: * (فخذوه) * وقوله: * (لم تؤتوه) * لم يصرح به في الآية ولكن الله أشار له هنا وذكره في موضع آخر.
(٤٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 398 399 400 401 402 403 404 405 406 407 408 ... » »»