أضواء البيان - الشنقيطي - ج ١ - الصفحة ٤٠٧
ويروى أن حذيفة سئل عن هذه الآيات أهي في بني إسرائيل فقال: نعم هي فيهم ولتسلكن سبيلهم حذو النعل بالنعل وقيل: * (الكافرون) * للمسلمين والظالمون) * لليهود والفاسقون) * للنصارى وهذا اختيار أبي بكر بن العربي قاله: لأنه ظاهر الآيات وهو اختيار ابن عباس وجابر بن زيد وابن أبي زائدة وابن شبرمة والشعبي أيضا. قال طاوس وغيره: ليس بكفر ينقل عن الملة ولكنه كفر دون كفر.
وهذا يختلف إن حكم بما عنده على أنه من عند الله فهو تبديل له يوجب الكفر. وإن حكم به هوى ومعصية فهو ذنب تدركه المغفرة على أصل أهل السنة في الغفران للمذنبين. قال القشيري: ومذهب الخوارج أن من ارتشى وحكم بحكم غير الله فهو كافر وعزا هذا إلى الحسن والسدي وقال الحسن أيضا: أخذ الله على الحكام ثلاثة أشياء: ألا يتبعوا الهوى وألا يخشوا الناس ويخشوه وألا يشتروا بآياته ثمنا قليلا انتهى كلام القرطبي.
قال مقيده عفا الله عنه: الظاهر المتبادر من سياق الآيات أن آية فأولئك * (هم الكافرون) * نازلة في المسلمين لأنه تعالى قال قبلها مخاطبا لمسلمي. هذه الأمة * (فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا) * ثم قال: * (ومن لم يحكم بما أنزل اله فأولئك هم الكافرون) * فالخطاب للمسلمين كما هو ظاهر متبادر من سياق الآية وعليه فالكفر إما كفر دون كفر وإما أن يكون فعل ذلك مستحلا له أو قاصدا به جحد أحكام الله وردها مع العلم بها.
أما من حكم بغير حكم الله وهو عالم أنه مرتكب ذنبا فاعل قبيحا وإنما حمله على ذلك الهوى فهو من سائر عصاة المسلمين وسياق القرآن ظاهر أيضا في أن آية * (فأولئك هم الظالمون) * في اليهود لأنه قال قبلها: * (وكتبنا عليهم فيهآ أن النفس بالنفس والعين بالعين والانف بالأنف والاذن بالاذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) *.
فالخطاب لهم لوضوح دلالة السياق عليه كما أنه ظاهر أيضا في أن آية * (فأولائك هم الفاسقون) * في النصارى لأنه قال قبلها: * (وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولائك هم الفاسقون) *.
واعلم أن تحرير المقام في هذا البحث أن الكفر والظلم والفسق كل واحد منها
(٤٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 402 403 404 405 406 407 408 409 410 411 412 ... » »»