أضواء البيان - الشنقيطي - ج ١ - الصفحة ٤١١
اتباع المتفق عليه لأن المتفق الذي هو عيسى قال لكم: * (ومبشرا برسول يأتي من بعدى اسمه أحمد) * فلو كنتم متبعين عيسى حقا لاتبعتم محمدا صلى الله عليه وسلم فظهر أنكم أنتم الذين لم تتبعوا المتفق عليه ولا غيره فانقطع النصراني.
ولا شك أن النصارى لو كانوا متبعين عيسى لاتبعوا محمدا صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى: * (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولائك هم الفاسقون *) *.
قد قدمنا أن هذه الآية في النصارى والتي قبلها في اليهود والتي قبل تلك في المسلمين كما يقتضيه ظاهر القرآن.
وقد قدمنا أن الكفر والظلم والفسق كلها يطلق على المعصية بما دون الكفر وعلى الكفر المخرج من الملة نفسه. فمن الكفر بمعنى المعصية. قوله صلى الله عليه وسلم لما سألته المرأة عن سبب كون النساء أكثر أهل النار إن ذلك واقع بسبب كفرهن ثم فسره بأنهن يكفرن العشير ومن الكفر بمعنى المخرج عن الملة قوله تعالى: * (قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون) *. ومن الظلم بمعنى الكفر قوله تعالى: * (والكافرون هم الظالمون) * وقوله: * (ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين) * وقوله: * (إن الشرك لظلم عظيم) * ومنه بمعنى المعصية قوله تعالى: * (فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد) * ومن الفسق بمعنى الكفر قوله: * (وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلمآ أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها) * ومنه بمعنى المعصية قوله في الذين قذفوا عائشة رضي الله عنها: * (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون) *.
ومعلوم أن القذف ليس بمخرج عن الملة ويدل له قوله تعالى: * (إن الذين جآءوا بالإفك عصبة منكم) * ومن الفسق بمعنى المعصية أيضا قوله في الوليد بن عقبة: * (يا أيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) *.
وقد قدمنا أن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب فمن كان امتناعه من الحكم بما أنزل الله لقصد معارضته ورده والامتناع من التزامه فهو كافر ظالم فاسق كلها بمعناها المخرج من الملة ومن كان امتناعه من الحكم لهوى وهو يعتقد قبح فعله فكفره وظلمه وفسقه غير المخرج من الملة إلا إذا كان ما امتنع من الحكم به
(٤١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 406 407 408 409 410 411 412 413 414 415 416 ... » »»