أضواء البيان - الشنقيطي - ج ١ - الصفحة ٤٠٤
اعلم أولا أن هذه الآية نزلت في اليهودي واليهودية الذين زنيا بعد الإحصان وكان اليهود قد بدلوا حكم الرجم في التوراة فتعمدوا تحريف كتاب الله واصطلحوا فيما بينهم على أن الزاني المحصن الذي يعلمون أن حده في كتاب الله التوراة الرجم أنهم يجلدونه ويفضحونه بتسويد الوجه والإركاب على حمار فلما زنى المذكوران قالوا فيما بينهم تعالوا نتحاكم إلى محمد صلى الله عليه وسلم في شأن حدهما فإن حكم بالجلد والتحميم فخذوا عنه ذلك واجعلوه حجة بينكم وبين الله تعالى ويكون نبي من أنبياء الله قد حكم فيهما بذلك وإن حكم بالرجم فلا تتبعوه فإذا عرفت ذلك فاعلم أن المراد بقوله * (هاذا) * وقوله: * (فخذوه) * وقوله: * (وإن لم تؤتوه) * هو الحكم المحرف الذي هو الجلد والتحميم كما بينا وأشار إلى ذلك هنا بقوله: * (يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا) * يعني المحرف والمبدل الذي هو الجلد والتحميم * (فخذوه وإن لم تؤتوه) * بأن حكم بالحق الذي هو الرجم * (فاحذروا) * أن تقبلوه.
وذكر تعالى هذا أيضا في قوله: * (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله) * يعني التوراة ليحكم بينهم يعني في شأن الزانيين المذكورين * (ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون) * آية عما في التوراة من حكم رجم الزاني المحصن وقوله هنا: * (ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون) * هو معنى قوله عنهم: * (وإن لم تؤتوه فاحذروا) * والعلم عند الله تعالى. * () * قوله تعالى: * (بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء) *.
أخبر تعالى في هذه الآية الكريمة أن الأحبار والرهبان استحفظوا كتاب الله يعني استودعوه وطلب منهم حفظه ولم يبين هنا هل امتثلوا الأمر في ذلك وحفظوه أو لم يمتثلوا الأمر في ذلك وضيعوه؟ ولكنه بين في مواضع أخر أنهم لم يمتثلوا الأمر ولم يحفظوا ما استحفظوه بل حرفوه وبدلوه عمدا كقوله: * (يحرفون الكلم عن مواضعه) * وقوله: * (تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا) * وقوله: * (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هاذا من عند الله) * وقوله جل وعلا: * (وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم
(٤٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 399 400 401 402 403 404 405 406 407 408 409 ... » »»