يدل على ذلك وأن قوله: * (فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله) * يدل على أن الربيين لم يقتلوا؛ لأنهم لو قتلوا لما قال عنهم: * (فما وهنوا لما أصابهم) * فهو كلام كله ساقط وترجيحات لا معول عليها فالترجيح بسبب النزول فيه أن سبب النزول لو كان يقتضي تعيين ذكر قتل النبي لكانت قراءة الجمهور قاتل بصيغة الماضي من المفاعلة جارية على خلاف المتعين وهو ظاهر السقوط كما ترى والترجيح بقوله: * (أفإن مات أو قتل) * ظاهر السقوط؛ لأنهما معلقان بأداة الشرط والمعلق بها لا بدل على وقوع نسبة أصلا لا إيجابا لا سلبا حتى يرجح بها غيرها.
وإذا نظرنا إلى الواقع في نفس الأمر وجدنا نبيهم صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت لم يقتل ولم يمت والترجيح بقوله: * (فما وهنوا) * سقوطه كالشمس في رابعة النهار وأعظم دليل قطعي على سقوطه قراءة حمزة والكسائي: * (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم) * كل الأفعال من القتل لا من القتال وهذه القراءة السبعية المتواترة فيها. فإن قتلوكم بلا ألف بعد القاف فعل ماض من القتل فاقتلوهم أفتقولون هذا لا يصح؛ لأن المقتول لا يمكن أن يؤمر بقتل قاتله. بل المعنى قتلوا بعضكم وهو معنى مشهور في اللغة العربية يقولون: قتلونا وقتلناهم يعنون وقوع القتل على البعض كما لا يخفى. وقد أشرنا إلى هذا البيان في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب والعلم عند الله تعالى. * (قوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ذكر في هذه الآية الكريمة أن المنافقين إذا مات بعض إخوانهم يقولون لو أطاعونا فلم يخرجوا إلى الغزو ما قتلوا ولم يبين هنا هل يقولون لهم ذلك قبل السفر إلى الغزو ليثبطوهم أو لا؟ ونظير هذه الآية: قوله تعالى: * (الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا) * ولكنه بين في آيات أخر أنهم يقولون لهم ذلك قبل الغزو ليثبطوهم كقوله: * (وقالوا لا تنفروا في الحر) * وقوله: * (قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا) * وقوله: * (وإن منكم لمن ليبطئن) * إلى غير ذلك من الآيات. * (ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون ذكر في هذه الآية الكريمة أن المقتول في الجهاد والميت كلاهما ينال