الثاني: أن الله لم يقتصر في كتابه على مطلق النصر الذي هو في اللغة إعانة المظلوم بل صرح بأن ذلك النصر المذكور للرسل نصر غلبة بقوله: * (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي) * وقد رأيت معنى الغلبة في القرءان ومر عليك أن الله جعل المقتول قسما مقابلا للغالب في قوله: * (ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب) * وصرح تعالى بأن ما وعد به رسله لا يمكن تبديله بقوله جل وعلا: * (ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى * اتيهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين) * ولا شك أن قوله تعالى: * (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي) * من كلماته التي صرح بأنها لا مبدل لها وقد نفى جل وعلا عن المنصور أن يكون مغلوبا نفيا باتا بقوله: * (إن ينصركم الله فلا غالب لكم) * وذكر مقاتل أن سبب نزول قوله تعالى: * (كتب الله لأغلبن الآية) * أن بعض الناس قال: أيظن محمد وأصحابه أن يغلبوا الروم وفارس كما غلبوا العرب زاعما أن الروم وفارس لا يغلبهم النبي صلى الله عليه وسلم لكثرتهم وقوتهم فأنزل الله الآية وهو يدل على أن الغلبة المذكورة فيها غلبة بالسيف والسنان؛ لأن صورة السبب لا يمكن إخراجها ويدل له قوله قبله: * (أولئك في الأذلين) * وقوله بعده: * (إن الله قوى عزيز) *.
وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب أننا نستشهد للبيان بالقراءة السبعية بقراءة شاذة فيشهد للبيان الذي بينا به أن نائب الفاعل ربيون وأن بعض القراء غير السبعة قرأ قتل معه ربيون بالتشديد؛ لأن التكثير المدلول عليه بالتشديد يقتضي أن القتل واقع على الربيين.
ولهذه القراءة رجح الزمخشري والبيضاوي وابن جني؛ أن نائب الفاعل ربيون ومال إلى ذلك الألوسي في تفسيره مبينا أن دعوى كون التشديد لا ينافي وقوع القتل على النبي؛ لأن: * (كأين) * إخبار بعدد كثير أي: كثير من أفراد النبي قتل خلاف الظاهر وهو كما قال فإن قيل: قد عرفنا أن نائب الفاعل المذكور محتمل لأمرين وقد ادعيتم أن القرءان دل على أنه ربيون لا ضمير النبي لتصريحه بأن الرسل غالبون والمقتول غير غالب ونحن نقول دل القرءان في آيات أخر على أن نائب الفاعل ضمير النبي لتصريحه في آيات كثيرة بقتل بعض الرسل كقوله: * (فريقا * كذبتم وفريقا تقتلون) * وقوله: * (قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم