من قبله صلى الله عليه وسلم هو عوض المال إذ لا يملك الزوج من الفراق غير الطلاق. فالعوض مدفوع له عما يملكه كما يدل له الحديث المذكور دلالة واضحة.
وقال بعض العلماء: تعتد المختلعة بحيضة ويروى هذا القول عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان وعبد الله بن عمر والربيع بنت معوذ وعمها وهو صحابي وأخرجه أصحاب السنن والطبراني مرفوعا والظاهر أن بعض أسانيده أقل درجاتها القبول وعلى تقدير صحة الحديث بذلك فلا كلام. ولو خالف أكثر أهل العلم وقد قدمنا عدم الملازمة بين كونه فسخا وبين الاعتداد بحيضة فالاستدلال به عليه لا يخلو من نظر وما وجهه به بعض أهل العلم من أن العدة إنما جعلت ثلاث حيض ليطول زمن الرجعة ويتروى الزوج ويتمكن من الرجعة في مدة العدة فإذا لم تكن عليها رجعة فالمقصود مجرد براءة رحمها من الحمل. وذلك يكفي فيه حيضة كالاستبراء لا يخلو من نظر أيضا؛ لأن حكمة جعل العدة ثلاثة قروء ليست محصورة في تطويل زمن الرجعة بل الغرض الأعظم منها: الاحتياط لماء المطلق حتى يغلب على الظن بتكرر الحيض ثلاث مرات أن الرحم لم يشتمل على حمل منه. ودلالة ثلاث حيض على ذلك أبلغ من دلالة حيضة واحدة ويوضح ذلك أن الطلقة الثالثة لا رجعة بعدها إجماعا.
فلو كانت الحكمة ما ذكر لكانت العدة من الطلقة الثالثة حيضة واحدة وما قاله بعض العلماء من أن باب الطلاق جعل حكمه واحدا فجوابه أنه لم يجعل واحدا إلا لأن الحكمة فيه واحدة. ومما يوضح ذلك أن المطلق قبل الدخول لا عدة له على مطلقته إجماعا بنص قوله تعالى: * (يا أيها الذين ءامنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) * مع أنه قد يندم على الطلاق كما يندم المطلق بعد الدخول فلو كانت الحكمة في الاعتداد بالأقراء مجرد تمكين الزوج من الرجعة لكانت العدة في الطلاق قبل الدخول.
ولما كانت الحكمة الكبرى في الاعتداد بالأقراء هي أن يغلب على الظن براءة الرحم من ماء المطلق؛ صيانة للأنساب كان الطلاق قبل الدخول لا عدة فيه أصلا؛ لأن الرحم لم يعلق بها شئ من ماء المطلق حتى تطلب براءتها منه بالعدة كما هو واضح. فإن قيل فما وجه اعتداد المختلعة بحيضة؟ قلنا: إن كان ثابتا عن النبي صلى الله عليه وسلم كما أخرجه عنه أصحاب السنن والطبراني فهو تفريق من الشارع بين الفراق المبذول فيه عوض وبين غيره في قدر العدة ولا إشكال في ذلك. كما فرق بين الموت قبل