أضواء البيان - الشنقيطي - ج ١ - الصفحة ١٤٢
في موضع آخر أن محل النهي عن ذلك إذا لم يكن عن طيب النفس من المرأة؛ وذلك في قوله: * (فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) *. وأشار إلى ذلك بقوله: * (ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) *.
تنبيه أخذ ابن عباس من هذه الآية الكريمة أن الخلع فسخ ولا يعد طلاقا؛ لأن الله تعالى قال: * (الطلاق مرتان) * ثم ذكر الخلع بقوله: * (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) *؛ لم يعتبره طلاقا ثالثا ثم ذكر الطلقة الثالثة بقوله: * (فإن طلقها فلا تحل له من بعد) *.
وبهذا قال عكرمة وطاوس وهو رواية عن عثمن بن عفان وابن عمر وهو قول إسحاق بن راهويه وأبي ثور وداود بن علي الظاهري كما نقله عنهم ابن كثير وغيره وهو قول الشافعي في القديم وإحدى الروايتين عن أحمد.
قال مقيده عفا الله عنه الاستدلال بهذه الآية على أن الخلع لا يعد طلاقا ليس بظاهر عندي؛ لما تقدم مرفوعا إليه صلى الله عليه وسلم من أن الطلقة الثالثة هي المذكورة في قوله: * (أو تسريح بإحسان) * وهو مرسل حسن.
قال في فتح الباري: والأخذ بهذا الحديث أولى فإنه مرسل حسن يعتضد بما أخرجه الطبري من حديث ابن عباس بسند صحيح قال: إذا طلق الرجل امرأته تطليقتين فليتق الله في الثالثة فإما أن يمسكها فيحسن صحبتها أو يسرحها فلا يظلمها من حقها شيئا.
وعليه ففراق الخلع المذكور لم يرد منه إلا بيان مشروعية الخلع عند خوفهما ألا يقيما حدود الله؛ لأنه ذكر بعد الطلقة الثالثة. وقوله: * (فإن طلقها) * إنما كرره؛ ليرتب عليه ما يلزم بعد الثالثة الذي هو قوله: * (فلا تحل له من بعد) *. ولو فرعنا على أن قوله تعالى: * (أو تسريح بإحسان) * يراد به عدم الرجعة وأن الطلقة الثالثة هي المذكورة في قوله: * (فإن طلقها فلا تحل له) * لم يلزم من ذلك أيضا عدم عد الخلع طلاقا؛ لأن الله تعالى ذكر الخلع في معرض منع الرجوع فيما يعطاه الأزواج. فاستثنى منه صورة جائزة ولا يلزم من ذلك عدم اعتبارها
(١٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 ... » »»