تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٩٣٥
كعصف مأكول) * أي: أما رأيت من قدرة الله، وعظيم شأنه، ورحمته بعباده، وأدلة توحيده، وصدق رسوله صلى الله عليه وسلم، ما فعله الله بأصحاب الفيل، الذين كادوا بيته الحرام، وأرادوا إخرابه. فتجهزوا لأجل ذلك، واستصحبوا معهم الفيلة لهدمه، وجاءوا بجمع لا قبل للعرب به، من الحبشة واليمن. فلما انتهوا إلى قرب مكة، ولم يكن بالعرب مدافعة، وخرج أهل مكة خوفا منهم، أرسل الله عليهم طيرا أبابيل، أي: متفرقة، تحمل أحجارا محماة، من سجيل. فرمتهم بها، وتتبعت قاصيهم ودانيهم. فخمدوا وهمدوا، وصاروا كعصف مأكول. وكفى الله شرهم، ورد كيدهم في نحورهم. وقصتهم معروفة مشهورة، وكانت تلك السنة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فصارت من جملة إرهاصات دعوته، وأدلة رسالته، فلله الحمد والشكر. تم تفسير سورة الفيل بحمد الله وفضله. سورة قريش * (لإيلاف قريش * إيلافهم رحلة الشتآء والصيف * فليعبدوا رب ه ذا البيت * الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) * قال كثير من المفسرين: إن الجار والمجرور متعلق بالسورة التي قبلها، أي: فعلنا ما فعلنا بأصحاب الفيل لأجل قريش وأمنهم، واستقامة مصالحهم، وانتظام رحلتهم في الشتاء لليمن، وفي الصيف للشام، لأجل التجارة والمكاسب. فأهلك الله من أرادهم بسوء، وعظم أمر الحرم وأهله في قلوب العرب، حتى احترموهم، ولم يعترضوا لهم، في أي سفر أرادوا. ولهذا أمرهم الله بالشكر، فقال؛ * (فليعبدوا رب هذا البيت) *، أي: ليوحدوه، ويخلصوا له العبادة. * (الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) * فرغد الرزق والأمن من الخوف، من أكبر النعم الدنيوية، الموجبة لشكر الله تعالى. فلك اللهم الحمد والشكر، على نعمك الظاهرة والباطنة. وخص الله الربوبية بالبيت، لفضله وشرفه، وإلا فهو رب كل شيء. تم تفسير سورة قريش بعون الله وتيسيره. سورة الماعون * (أرأيت الذي يكذب بالدين * فذلك الذي يدع اليتيم * ولا يحض على طعام المسكين * فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون * الذين هم يرآءون * ويمنعون الماعون) * * (أرأيت الذي يكذب بالدين) *، أي: بالبعث والجزاء، فلا يؤمن بما جاءت به الرسل. * (فذلك الذي يدع اليتيم) *، أي: يدفعه بعنف وشدة، ولا يرحمه لقساوة قلبه؛ ولأنه لا يرجو ثوابا، ولا يخاف عقابا. * (ولا يحض) * (غيره) * (على طعام المسكين) *، ومن باب أولى أنه بنفسه لا يطعم المسكين. * (فويل للمصلين) *، أي: الملتزمين لإقامة الصلاة، ولكنهم * (عن صلاتهم ساهون) *، أي: مضيعون لها، تاركون لوقتها، ومخلون بأركانها. وهذا لعدم اهتمامهم بأمر الله حيث ضيعوا الصلاة، التي هي أهم الطاعات. والسهو عن الصلاة، هو الذي يستحق صاحبه الذم واللوم. وأما السهو في الصلاة، فهذا يقع من كل أحد، حتى من النبي صلى الله عليه وسلم. ولهذا وصف الله هؤلاء بالرياء والقسوة، وعدم الرحمة، فقال: * (الذين هم يراءون) *، أي: يعملون الأعمال، لأجل رئاء الناس. * (ويمنعون الماعون) *، أي: يمنعون إعطاء الشيء، الذي لا يضر إعطاؤه على وجه العارية، أو الهبة، كالإناء، والدلو، والفأس، ونحو ذلك، مما جرت العادة ببذله، والسماح به. فهؤلاء لشدة حرصهم يمنعون الماعون، فكيف بما هو أكثر منه. وفي هذه السورة، الحث على إطعام اليتيم، والمساكين، والتحضيض على ذلك، ومراعاة الصلاة، والمحافظة عليها، وعلى الإخلاص فيها، وفي سائر الأعمال. والحث على فعل المعروف، وبذل الأموال الخفيفة، كعارية الإناء، والدلو، والكتاب، ونحو ذلك، لأن الله، ذم من لم يفعل ذلك، والله سبحانه أعلم. تم تفسير سورة الماعون بعون الله ومعونته. سورة الكوثر * (إنآ أعطيناك الكوثر * فصل لربك وانحر * إن شانئك هو الأبتر) * يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: * (إنا أعطيناك الكوثر) *، أي: الخير الكثير، والفضل الغزير، الذي من جملته، ما يعطيه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، من النهر الذي يقال له (الكوثر). ومن الحوض، طوله شهر، وعرضه شهر، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، آنيته عدد نجوم السماء في
(٩٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 928 929 930 931 932 933 934 935 936 937 938 » »»