* (وأما بنعمة ربك فحدث) * وهذا يشمل النعم الدينية والدنيوية، أي: أثن على الله بها، وخصها بالذكر، إن كان هناك مصلحة. وإلا فحدث بنعم الله على الإطلاق، فإن التحدث بنعمة الله، داع لشكرها، وموجب لتحبيب القلوب إلى من أنعم بها، فإن القلوب مجبولة على محبة المحسن. تم تفسير سورة الضحى بحمد الله وعونه. سورة الشرح (الانشراح) * (ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب) * يقول تعالى ممتنا على رسوله: * (ألم نشرح لك صدرك) *، أي: نوسعه لشرائع الدين والدعوة إلى الله، والاتصاف بمكارم الأخلاق، والإقبال على الآخرة، وتسهيل الخيرات. فلم يكن ضيقا حرجا، حتى لا يكاد ينقاد لخير، ولا تكاد تجده منبسطا. * (ووضعنا عنك وزرك) *، أي: ذنبك * (الذي أنقض) *، أي: أثقل * (ظهرك) * كما قال تعالى: * (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) *. * (ورفعنا لك ذكرك) *، أي: أعلينا قدرك، وجعلنا لك الثناء الحسن العالي، الذي لم يصل إليه أحد من الخلق. فلا يذكر الله إلا ذكر معه رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما في الدخول في الإسلام، وفي الأذان، والإقامة، والخطب، وغير ذلك من الأمور التي أعلى الله بها، ذكر رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. وله في قلوب أمته، من المحبة، والإجلال، والتعظيم، ما ليس لأحد غيره، بعد الله تعالى. فجزاه الله عن أمته أفضل ما جزى نبيا عن أمته. وقوله: * (فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا) * بشارة عظيمة، أنه كلما وجد عسر وصعوبة، فإن اليسر يقارنه ويصاحبه، حتى لو دخل العسر جحر ضب، لدخل عليه اليسر، فأخرجه كما قال تعالى: * (سيجعل الله بعد عسر يسرا) *. وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وإن الفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسرا). وتعريف (العسر) في الآيتين، يدل على أنه واحد، وتنكير (اليسر) يدل على تكراره، فلن يغلب عسر يسرين. وفي تعريفه بالألف واللام، الدال على الاستغراق والعموم دلالة على أن كل عسر، وإن بلغ من الصعوبة ما بلغ، فإنه في آخره التيسير، ملازم له. ثم أمر رسوله أصلا، والمؤمنين تبعا، بشكره والقيام بواجب نعمه، فقال: * (فإذا فرغت فانصب) *، أي: إذا تفرغت من أشغالك، ولم يبق في قلبك ما يعوقه، فاجتهد في العبادة والدعاء. * (وإلى ربك) * وحده * (فارغب) *، أي: أعظم الرغبة في إجابة دعائك، وقبول دعواتك. ولا تكن ممن إذا فرغوا لعبوا وأعرضوا عن ربهم، وعن ذكره، فتكون من الخاسرين. وقد قيل: إن معنى هذا: فإذا فرغت من الصلاة وأكملتها، فانصب في الدعاء. وإلى ربك فارغب في سؤال مطالبك. واستدل من قال هذا القول، على مشروعية الدعاء والذكر، عقب الصلوات المكتوبات، والله أعلم. تم تفسير سورة الشرح و (الإنشراح). سورة التين * (والتين والزيتون * وطور سينين * وه ذا البلد الأمين * لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم * ثم رددناه أسفل سافلين * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون * فما يكذبك بعد بالدين * أليس الله بأحكم الحاكمين) * * (التين) * هو التين المعروف، وكذلك * (الزيتون) * أقسم بهاتين الشجرتين، لكثرة منافع شجرهما وثمرهما، ولأن سلطانهما في أرض الشام، محل نبوة عيسى ابن مريم عليه السلام. * (وطور سينين) *، أي: طور سيناء، محل نبوة موسى عليه السلام. * (وهذا البلد الأمين) * وهو مكة المكرمة، محل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. فأقسم تعالى بهذه المواضع المقدسة، التي اختارها وابتعث منها أفضل الأنبياء وأشرفهم. والمقسم عليه قوله: * (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) *، أي: تام الخلق، متناسب الأعضاء، منتصب القامة، لم يفقد مما يحتاج إليه ظاهرا وباطنا شيئا. ومع هذه النعم العظيمة، التي ينبغي له القيام بشكرها، فأكثر الخلق منحرفون عن شكر المنعم، مشتغلون باللهو واللعب، قد رضوا لأنفسهم، بأسافل الأمر، وسفساف الأخلاق. فردهم الله في أسفل سافلين، أي: أسفل النار، موضع العصاة المتمردين على ربهم، إلا من من الله عليه بالإيمان، والعمل الصالح، والأخلاق الفاضلة العالية. * (فلهم) *
(٩٢٩)