تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ١١٣
وحكمته وفيه تنبيه على أن البعث فيه يظهر للعباد كمال عزة الله وحكمته وعظمته وسعة سلطانه وتمام عدله وفضله: * (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله) * * (كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة) * * (والله يضاعف) * * (لمن يشاء) * * (والله واسع) * * (عليم) * " الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون * هذا حث عظيم من الله لعباده على إنفاق أموالهم في سبيله وهو طريقه للوصول إليه فيدخل في هذا إنفاقه في ترقية العلوم النافعة وفي الاستعداد للجهاد في سبيله وفي تجهز المجاهدين وتجهيزهم وفي جميع المشاريع الخيرية النافعة للمسلمين ويلي ذلك الإنفاق على المحتاجين والفقراء والمساكين وقد يجتمع الأمران فيكون في النفقة دفع الحاجات والإعانة على الخير والطاعات فهذه النفقات مضاعفة هذه المضاعفة بسبعمائة إلى أضعاف أكثر من ذلك ولهذا قال والله يضاعف لمن يشاء وذلك بحسب ما يقوم بقلب المنفق من الإيمان والإخلاص التام وفي ثمرات نفقته ونفعها فإن بعض طرق الخيرات يترتب على الإنفاق فيها منافع متسلسلة ومصالح متنوعة فكان الجزاء من جنس العمل ثم أيضا ذكر ثوابا آخر للمنفقين أموالهم في سبيله نفقة صادرة مستوفية لشروطها منتفية موانعها فلا يتبعون المنفق عليه منا منهم عليه وتعدادا للنعم وأذية له قولية أو فعلية فهؤلاء لهم أجرهم عند ربهم بحسب ما يعلمه منه وبحسب نفقاتهم ونفعها وبفضله الذي لا تناله ولا تصل إليه صدقاتهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون فنفى عنهم المكروه الماضي بنفي الحزن والمستقبل بنفي الخوف عليهم فقد حصل لهم المحبوب واندفع عنهم المكروه * (قول معروف) * * (ومغفرة) * خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم ذكر الله أربع مراتب للإحسان المرتبة العليا النفقة الصادرة عن نية صالحة ولم يتبعها المنفق منا ولا أذى ثم يليها قول المعروف وهو الإحسان القولي بجميع وجوهه الذي فيه سرور المسلم والاعتذار من السائل إذا لم يوافق عنده شيئا وغير ذلك من أقوال المعروف والثالثة الإحسان بالعفو والمغفرة عمن أساء إليك بقول أو فعل وهذان أفضل من الرابعة وخير منها وهي التي يتبعها المتصدق الأذى للمعطى لأنه كدر إحسانه وفعل خيرا وشرا فالخير المحض وإن كان مفضولا خيرمن الخير الذي يخالطه شر وإن كان فاضلا وفي هذا التحذير العظيم لمن يؤذي من تصدق عليه كما فعله أهل اللؤم والحمق والجهل والله تعالى غني عن صدقاتهم وعن جميع عباده * (حليم) * مع كمال غناه وسعة عطاياه يحلم عن العاصين ولا يعاجلهم بالعقوبة بل يعافيهم ويرزقهم ويدر عليهم خيره وهم مبارزون له بالمعاصي يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئآء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله
(١١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 ... » »»