تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ١٢٤
عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد أخبر تعالى في هاتين الآيتين عن حالة الناس في إيثار الدنيا على الآخرة وبين التفاوت العظيم والفرق الجسيم بين الدارين فأخبر أن الناس زينت لهم هذه الأمور فرمقوها بالأبصار واستحلوها بالقلوب وعكفت على لذاتها النفوس كل طائفة من الناس تميل إلى نوع من هذه الأنواع قد جعلوها هي أكبر همهم ومبلغ علمهم وهي مع هذا متاع قليل منقض في مدة يسيرة فهذا متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب ثم أخبر عن ذلك بأن المتقين لله القائمين بعبوديته لهم خير من هذه اللذات فلهم أصناف الخيرات والنعيم المقيم مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ولهم رضوان الله الذي هو أكبر من كل شيء ولهم الأزواج المطهرة من كل آفة ونقص جميلات الأخلاق كاملات الخلائق لأن النفي يستلزم ضده فتطهيرها عن الآفات مستلزم لوصفها بالكمالات والله بصير بالعباد فييسر كلا منهم لما خلق له أما أهل السعادة فييسرهم للعمل لتلك الدار الباقية ويأخذون من هذه الحياة الدنيا ما يعينهم على عبادة الله وطاعته وأما أهل الشقاوة والإعراض فيقيضهم لعمل أهل الشقاوة ويرضون بالحياة الدنيا ويطمئنون بها ويتخذونها قرارا * الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار * الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار) * أي: هؤلاء الراسخون في العلم أهل العلم بالإيمان يتوسلون إلى ربهم بإيمانهم لمغفرة ذنوبهم ووقايتهم عذاب النار) * وهذا من الوسائل التي يحبها الله أن يتوسل العبد إلى ربه بما من به عليه من الإيمان والأعمال الصالحة إلى تكميل نعم الله عليه بحصول الثواب الكامل واندفاع العقاب ثم وصفهم بأجمل الصفات بالصبر الذي هو حبس النفوس على ما يحبه الله طلبا لمرضاته يصبرون على طاعة الله ويصبرون عن معاصيه ويصبرون على أقداره المؤلمة * (وبالصدق بالأقوال والأحوال وهو استواء الظاهر والباطن وصدق العزيمة على سلوك الصراط المستقيم وبالقنوت الذي هو دوام الطاعة مع مصاحبة الخشوع والخضوع وبالنفقات) * في سبل الخيرات وعلى الفقراء وأهل الحاجات وبالاستغفار خصوصا وقت الأسحار فإنهم: مدوا الصلاة إلى وقت السحر فجلسوا يستغفرون الله تعالى؟
(18 - 20) * (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم هذه أجل الشهادات الصادرة من الملك العظيم ومن الملائكة وأهل العلم على أجل مشهود عليه وهو توحيد الله وقيامه بالقسط وذلك يتضمن الشهادة على جميع الشرع وجميع أحكام الجزاء فإن الشرع والدين أصله وقاعدته توحيد الله وإفراده بالعبودية والاعتراف بانفراده بصفات العظمة والكبرياء والمجد والعز والقدرة والجلال ونعوت الجود والبر والرحمة والإحسان والجمال وبكماله المطلق الذي لا يحصي أحد من الخلق أن يحيطوا بشيء منه أو يبلغوه أو يصلوا إلى الثناء عليه والعبادات الشرعية والمعاملات وتوابعها والأمر والنهي كله عدل وقسط لا ظلم فيه ولا جور بوجه من الوجوه بل هو في غاية الحكمة والإحكام والجزاء على الأعمال الصالحة والسيئة كله قسط وعدل قل أي شيء أكبر شهادة قل الله فتوحيد الله ودينه وجزاؤه قد ثبت ثبوتا لا ريب فيه وهو أعظم الحقائق وأوضحها وقد أقام الله على ذلك من البراهين والأدلة ما لا يمكن إحصاؤه وعده وفي هذه الآية فضيلة العلم والعلماء لأن الله خصهم بالذكر من دون البشر وقرن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته وجعل شهادتهم من أكبر الأدلة والبراهين على توحيده ودينه وجزائه وأنه يجب على المكلفين قبول هذه الشهادة العادلة الصادقة وفي ضمن ذلك تعديلهم وأن الخلق تبع لهم وأنهم هم الأئمة المتبوعون وفي هذا من الفضل والشرف وعلو المكانة ما لا يقادر قدره * إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب يخبر تعالى إن الدين عند الله أي الدين الذي لا دين له سواه ولا مقبول غيره هو الإسلام وهو الانقياد لله وحده ظاهرا وباطنا بما شرعه على ألسنة رسله قال تعالى ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين فمن دان بغير دين الإسلام فهو لم يدن لله حقيقة لأنه لم يسلك الطريق الذي شرعه على ألسنة رسله ثم أخبر تعالى أن أهل الكتاب يعلمون ذلك وإنما اختلفوا فانحرفوا عنه عنادا وبغيا وإلا فقد جاءهم العلم المقتضي لعدم الاختلاف الموجب للزوم الدين الحقيقي ثم لما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم عرفوه حق المعرفة ولكن الحسد والبغي والكفر بآيات الله هي التي صدتهم عن اتباع الحق ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب أي فلينتظروا ذلك فإنه آت وسيجزيهم الله بما كانوا يعملون * فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد) * لما بين
(١٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 ... » »»