تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٧ - الصفحة ٧٥
عبد بن حميد. والحاكم وصححه. وابن مردويه. والبيهقي في الدلائل من طريق مجاهد عن أبي معمر عن ابن مسعود قال: رأيت القمر منشقا شقتين مرتين بمكة قبل مخرج النبي صلى الله عليه وسلم الحديث، وأما الإجماع فغير مسلم، وفي المواهب قال الحافظ ابن حجر: أظن أن قوله: بالإجماع يتعلق - بانشق - لا بمرتين فإني لا أعلم من جزم من علماء الحديث بتعدد الانشقاق في زمنه صلى الله عليه وسلم، ولعل قائل مرتين أراد فرقتين، وهذا الذي لا يتجه غيره جمعا بين الروايات انتهى، ولا يخفى أن هذا التأويل مع بعده لا يتسنى في خبر ابن مسعود المذكور آنفا لمكان شقتين وهي بمعنى فرقتين ومرتين معا، والذي عندي في تأويل ذلك أن مرتين في كلام ابن مسعود قيد للرؤية وتعددها لا يقتضي تعدد الانشقاق بأن يكون رآه منشقا فصرف نظره عنه ثم أعاده فرآه كذلك لم يتغير ففيه إشارة إلى أنها رؤية لا شبهة فيها وقد فعل نحو ذلك الكفرة، أخرج أبو نعيم من طريق عطاء عن ابن عباس قال: انتهى أهل مكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: هل من آية نعرف بها أنك رسول الله؟ فهبط جبريل عليه السلام فقال: يا محمد قل لأهل مكة أن يجتمعوا هذه الليلة يروا آية فأخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقالة جبريل عليه السلام فخرجوا ليلة أربع عشرة فانشق القمر نصفين نصفا على الصفا ونصفا على المروة فنظروا ثم قالوا بأبصارهم فمسحوها ثم أعادوا النظر فنظروا ثم مسحوا أعينهم ثم نظروا فقالوا ما هذا إلا سحر فأنزل الله تعالى: * (اقتربت الساعة وانشق القمر) * فلو قال أحد هؤلاء رأيت القمر منشقا ثلاث مرات على معنى تعدد الرؤية صح بلا غبار ولم يقتض تعدد الانشقاق فليخرج كلام ابن مسعود على هذا الطرز ليجمع بين الروايات، ثم هذا الحديث إن صح كان دليلا لما أشار إليه البوصيري في قوله: شق عن صدره وشق له البد * ر ومن شرط كل شرط جزاء من أن الشق كان ليلة أربع عشرة لأن البدر هو القمر ليلة أربع عشرة ويعلم من ذلك ما في قول العلامة ابن حجر الهيتمي في شرحه: ظاهر التعبير بالبدر دون القمر أن الشق كان ليلة أربع عشرة ولم أر له في ذلك سلفا، ولعله أراد بالبدر مطلق القمر، ويؤيد كونه ليلة البدر ما أخرجه الطبراني، وابن مردويه من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: كسف القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: سحر القمر فنزلت * (اقتربت الساعة) * إلى * (مستمر) * فإن الكسوف وإن جاز عادة أن يكون ليلة الثالث عشر وليلة الخامس عشر إلا أن الأغلب كونه ليلة الرابع عشر ولا ضرورة إلى حمل الكسوف في هذا الخبر على الانشقاق إذ لا مانع كما في البداية والنهاية أن يكون قد حصل للقمر مع انشقاقه كسوف، نعم ذكر فيها أن سياق الخبر غريب.
ثم إن القمر بعد انشقاقه لم تفارق قطعتاه السماء بل بقيتا فيها متباعدتين تباعدا ما لحظة ثم اتصلتا، وما يذكره بعض القصاص من أنه دخل في جيب النبي صلى الله عليه وسلم وخرج من كمه فباطل لا أصل له كما حكاه الشيخ بدر الدين الزركشي عن شيخه العماد بن كثير ولعنة الله تعالى على من وضعه. وما في خبر أبي نعيم - الذي أخرجه من طريق الضحاك عن ابن عباس من أنه انشق فصار قمرين أحدهما على الصفا والآخر على المروة قدر ما بين العصر إلى الليل ينظرون إليه ثم غاب - لا يعول عليه، كيف وقد تضمن ذلك الخبر أن الانشقاق وقع لطلب أحبار اليهود وأن القائل هذا * (سحر مستمر) * (القمر: 2) هم، وهو مخالف لما نطقت به الأخبار الصحيحة الكثيرة كما لا يخفى على المتتبع، وقد شاع " أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى القمر بسبابته الشريفة فانشق " ولم أره في خبر صحيح والله تعالى أعلم.
(٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 ... » »»