تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٧ - الصفحة ١٩٤
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال: لما نزلت * (أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا) * (القصص: 54) فخر مؤمنو أهل الكتاب على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: لنا أجران ولكم أجر فاشتد ذلك على أصحابه عليه الصلاة والسلام فأنزل الله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا) * الخ فجعل لهم سبحانه أجرين مثل ما لمؤمني أهل الكتاب، وقال الثعلبي: فأنزل الله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله) * الآية فجعل لهم أجرين وزادهم النور ثم قال سبحانه: * (لئلا يعلم) * الخ، وحاصله على هذا ليعلموا أنهم ليسوا ملاك فضله عز وجل فيزووه عن المؤمنين ويستبدوا به دونهم، وقوله تعالى: * (وأن الفضل بيد الله) * عطف على أن لا يقدرون داخل معه في حيز العلم، وقوله سبحانه: * (يؤتيه من يشاء) * خبر ثان لأن أو هو الخبر وما قبله على ما قيل: حال لازمة أو استئناف، وقوله عز وجل: * (والله ذو الفضل العظيم) * اعتراض تذييلي مقرر لمضمون ما قبله.
وذهب بعض إلى أن الخطاب لمن آمن من أهل الكتاب اليهود والنصارى أو لمن يؤمن منهم بعد، فالمعنى يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى عليهما السلام آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم أي أثبتوا على الايمان به أو أحدثوا الايمان به عليه الصلاة والسلام يؤتكم نصيبين من رحمته نصيبا على إيمانكم بمن آمنتم به أولا ونصيبا على إيمانكم بمحمد صلى الله عليه وسلم آخرا ليعلم الذين لم يؤمنوا من أهل الكتاب أنهم لا ينالون شيئا مما يناله المؤمنون منهم ولا يتمكنون من نيله حيث لم يأتوا بشرطه الذي هو الايمان برسوله صلى الله عليه وسلم، وأيد ذلك بما في " صحيح البخاري " " من كانت له أمة علمها فأحسن تعليمها وأدبها فأحسن تأديبها وأعتقها وتزوجها فله أجران، وأيمارجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي فله أجران، وأيما مملوك أدى حق الله تعالى وحق مواليه فله أجران " ولا إشكال في ذلك بالنسبة إلى النصارى، ولذا قيل: الخطاب لهم لأن ملتهم غير منسوخة قيل ظهور الملة المحمدية ومعرفتهم بها فيثابون على العمل بها حتى يجب عليهم الايمان بالنبي صلى الله عليه وسلم فإذا آمنوا أثيبوا أيضا فكان لهم ثوابان، نعم قد يستشكل بالنسبة إلى غيرهم لأن مللهم منسوخة بملة عيسى عليه السلام والمنسوخ لا ثواب في العمل به، ويجاب بأنه لا يبعد أن يثابوا على العمل بملتهم السابقة وإن كانت منسوخة ببركة الإسلام. وأجاب بعضهم أن الإثابة على نفس إيمان ذلك الكتابي بنبيه وإن كان منسوخ الشريعة فإن الإيمان بكل نبي فرض سواء كان منسوخ الشريعة أم لا، وقيل: إن * (لا) * في * (لأن لا يعلم) * غير مزيدة وضمير لا يقدرون للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أي فعلنا ما فعلنا لئلا يعتقد أهل الكتاب أن الشأن لا يقدر النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون به على شيء من فضل الله تعالى الذي هو عبارة عما أوتوه من سعادة الدارين ولا ينالونه، أو أنهم أي النبي عليه الصلاة والسلام والمؤمنون لا يقدرون الخ، على أن عدم علمهم بعدم قدرتهم على ذلك كناية عن علمهم بقدرتهم عليه فيكون قوله سبحانه: * (وأن الفضل) * الخ معطوفا على - أن لا يعلم - داخلا معه في حيز التعليل دون أن لا يقدر فكأنه قيل: فعلنا لئلا يعتقدوا كذا ولأن الفضل بيد الله فيكون من عطف الغاية على الغاية بناءا على المشهور ولتكلف هذا القيل مع مخالفته لبعض القراءات لم يذهب إليه معظم المفسرين، وقرأ خطاب ابن عبد الله - لأن لا يعلم - بالإظهار، وعبد الله بن مسعود. وابن عباس. وعكرمة. والجحدري. وعبد الله بن سلمة على اختلاف ليعلم، وقرأ الجحدري أيضا - وليعلم - على أن أصله لئن يعلم فقلبت الهمزة ياءا
(١٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 » »»