التأويل أو اعتبار حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه على ما تقدم أو تفسير الرهبانية بما هو من أفعال القلوب كالخوف المفرط المقتضى للغلو في التعبد ويرتكب نوع تجوز في ابتدعوها وما بعده كأن يكون المراد ابتداع أعمالها وآثارها أو ارتكاب استخدام في الكلام بأن يعتبر للرهبانية معنيان الخوف المفرط مثلا، ويراد في جعلنا في قلوبهم رهبانية والأعمال التعبدية الشاقة كرفض الدنيا وشهواتها من النساء وغيرهن، ويراد في * (ابتدعوها) * وما بعده وليس الداعي للتأويل الاعتزال بل كون الرهبانية بمعنى الأعمال البدنية ليست مما تجعل في القلب كالرأفة والرحمة فتأمل.
وقرىء * (رهبانية) * بضم الراء وهي منسوبة إلى الرهبان بالضم وهو كما قال الراغب: يكون واحدا وجمعا فالنسبة إليه باعتبار كونه واحدا ومن ظن اختصاص المضموم بالجمع قال: إنه لما اختص بطائفة مخصوصة أعطى حكم العلم فنسبته إليه كما قالوا في أنصار وأنصاري أو أن النسبة إلى رهبان المفتوح وضم الراء في المنسوب من تغييرات النسب كما في دهري بضم الدال، وقوله تعالى: * (ما كتبناها عليهم) *. جملة مستأنفة، وقوله سبحانه:
* (إلا ابتغاء رضوان الله) * استثناء منقطع أي ما فرضناها نحن عليهم رأسا ولكن ابتدعوها وألزموا أنفسهم بها ابتغاء رضوان الله تعالى، وقوله تعالى: * (فما رعوها حق رعايتها) * أي ما حافظوا عليها حق المحافظة ذم لهم من حيث إن ذلك كالنذر وهو عهد مع الله تعالى يجب رعايته لا سيما إذا قصد به رضاه عز وجل.
واستدل بذلك على أن من اعتاد تطوعا كره له تركه، وجوز أن يكون قوله تعالى: * (ما كتبناها) * الخ صفة أخرى لرهبانية والنفي متوجه إلى قيد الفعل لا نفسه كما في الوجه الأول، وقوله سبحانه: * (إلا ابتغاء) * الخ استثناء متصل من أعم العلل أي ما قضيناها عليهم بأن جعلناهم يبتدعونها لشيء من الأشياء إلا ليبتغوا بها رضوان الله تعالى ويستحقوا بها الثواب، ومن ضرورة ذلك أن يحافظوا عليها ويراعوها حق رعايتها فما رعوها كذلك والوجه الأول مروى عن قتادة. وجماعة، وهذا مروى عن مجاهد ولا مخالفة عليه بين * (ابتدعوها) * و * (وما كتبناها عليهم) * الخ حيث إن الأول يقتضي أنهم لم يؤمروا بها أصلا والثاني يقتضي أنهم أمروا بها لابتغاء رضوان الله تعالى لما أشرنا إليه من معنى * (ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء) * الخ، ودفع بعضهم المخالفة بأن يقال: الأمر وقع بعد ابتداعها أو يؤل ابتدعوها بأنهم أول من فعلها بعد الأمر ويؤيد ما ذكره في الدفع أولا ما أخرجه أبو داود. وأبو يعلى. والضياء عن أنس " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم فإن قوما شددوا على أنفسهم فشدد عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات رهبانية ما ابتدعوها ما كتبناها عليهم " يعني الآية، والظاهر أن ضمير فما رعوها لأولئك الذين ابتدعوا الرهبانية، والمراد نفي وقوع الرعاية من كلهم على أن المعنى فما رعاها كلهم بل بعضهم، وليس المراد بالموصول فيما سبق أشخاصا بأعيانهم بل المراد به ما يعم النصارى إلى زمان الإسلام ولا يضر في ذلك أن أصل الابتداع كان من قوم مخصوصين لأن إسناده على نحو الإسناد في - بنو تميم قتلوا زيدا - والقاتل بعضهم.
وقال الضحاك. وغيره: الضمير في * (فما رعوها) * للاخلاف الذين جاءوا بعد المبتدعين والأول أوفق بالصناعة، والمراد بالذين آمنوا في قوله تعالى: * (فأتينا الذين ءامنوا منهم) * الذين آمنوا