* (نحن خلقناكم فلولا تصدقون) * تلوين للخطاب وتوجيه له إلى الكفرة بطريق الإلزام والتبكيت والفاء لترتيب التحضيض على ما قبلها أي فهلا تصدقون بالخلق بقرينة * (نحن خلقناكم) * ولما لم يحقق تصديقهم المشعر به قوله تعالى: * (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله) * (لقمان: 25) عملهم حيث لم يقترن بالطاعة والأعمال الصالحة بل اقترن بما ينبىء عن خلافه من الشرك والعصيان نزل منزلة العدم والإنكار فحضوا على التصديق بذلك، وقيل: المراد فهلا تصدقون بالبعث لتقدمه وتقدم إنكاره في قولهم: * (أئنا لمبعوثون) * فيكون الكلام إشارة إلى الاستدلال بالإبداء على الإعادة فإن من قدر عليه قدر عليها حتما، والأول هو الوجه كما يظهر مما بعد إن شاء الله تعالى:
* (أفرءيتم ما تمنون) *.
* (أفرأيتم ما تمنون) * أي ما تقذفونه في الأرحام من النطف، وقرأ ابن عباس. وأبو الثمال * (تمنون) * بفتح التاء من مني النطقة بمعنى أمناها أي أزالها بدفع الطبيعة * (أءنتم تخلقونه أم نحن الخالقون) *.
* (ءأنتم تخلقونه) * أي تقدرونه وتصورونه بشرا سويا تام الخلقة، فالمراد خلق ما يحصل منه على أن في الكلام تقديرا أو تجوزا، وجوز إبقاء ذلك على ظاهره أي * (أأنتم تخلقونه) * وتنشئون نفس ذات ما تمنونه * (أم نحن الخالقون) * له من غير دخل شيء فيه - وأرأيتم - قد مر الكلام غير مرة فيه، ويقال هنا: إن اسم الموصول مفعوله الأول والجملة الاستفهامية مفعوله الثاني، وكذا يقال فيم بعد من نظائره وما يعتبر فيه الرؤية بصرية تكون الجملة الاستفهامية فيه مستأنفة لا محل لها من الإعراب، وجوز في - أنتم - أن يكون مبتدأ، والجملة بعده خبره، وأن يكون فاعلا لفعل محذوف والأصل أتخلقون فلما حذف الفعل انفصل الضمير، واختاره أبو حيان، و * (أم) * قيل: منقطعة لأن ما بعدها جملة فالمعنى - بل أنحن الخالقون - على أن الاستفهام للتقرير، وقال قوم من النحاة: متصلة معادلة للهمزة كأنه قيل: * (أأنتم تخلقونه أم نحن) * ثم جيء - بالخالقون - بعد بطريق التأكيد لا بطريق الخبرية أصالة.
* (نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين) *.
* (نحن قدرنا بينكم الموت) * قسمناه عليكم ووقتنا موت كل أحد بوقت معين حسبما تقتضيه مشيئتنا المبنية على الحكم البالغة، وقرأ ابن كثير * (قدرنا) * بالتخفيف * (وما نحن بمسبوقين) * أي لايغلبنا أحد.
* (على أن نبدل أمثالكم وننشئكم فى ما لا تعلمون) *.
* (على أن نبدل أمثالكم) * أي على أن نذهبكم ونأتي مكانكم أشباهكم من الخلق فالسبق مجاز عن الغلبة استعارة تصريحية أو مجاز مرسل عن لازمه، وظاهر كلام بعض الأجلة أنه حقيقة في ذلك إذا تعدى بعلي، والجملة في وضع الحال من ضمير * (قدرنا) * وكأن المراد * (قدرنا) * ذلك ونحن قادرون على أن نميتكم دفعة واحدة ونخلق أشباهكم.
* (وننشئكم في ما لا تعلمون) * من الخلق والأطوار التي لا تعهدونها، وقال الحسن: من كونكم قردة وخنازير، ولعل اختيار ذلك لأن الآية تنحو إلى الوعيد، والمراد ونحن قادرون على هذا أيضا وجوز أن يكون أمثالكم جمع مثل بفتحتين بمعنى الصفة لا جمع مثل بالسكون بمعنى الشبه كما في الوجه الأول أي ونحن نقدر على أن نغير صفاتكم التي أنتم عليها خلقا وخلقا وننشئكم في صفات لا تعلمونها، وقيل: المعنى وننشئكم في البعث عل غير صوركم في الدنيا، وقيل: المعنى وما يسبقنا أحد فيهرب من الموت أو يغير وقته الذي وقتناه، على أن المراد تمثيل حال من سلم من الموت أو تأخر أجله عن الوقت المعين له بحال من طلبه طالب فلم يلحقه وسبقه، وقوله تعالى: * (على أن نبدل) * الخ في موضع الحال من الضمير المستتر في مسبوقين أي حال كوننا قادرين