تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٦ - الصفحة ٥١
فعدم توجههم نحو الخير * (واتبعوا أهواءهم) * فتوجهوا نحو كل ما لا خير فيه فلذلك كان منهم ما كان.
* (والذين اهتدوا زادهم هدى وءات‍اهم تقواهم) *.
* (والذين اهتدوا) * إلى طريق الحق * (زادهم) * أي الله عز وجل * (هدى) * بالتوفيق والإلهام، والموصول يحتمل الرفع على الابتداء والنصب بفعل محذوف يفسره المذكور و * (هدى) * مفعول ثان لأن زاد قد يتعدى لمفعولين، ويحتمل أن يكون تمييزا والأول هو الظاهر، وتنوينه للتعظيم أي هدى عظيما * (وءاتياهم تقواهم) * أي أعطاهم تقواهم إياه جل شأنه بأن خلقها فيهم بناء على ما يقوله الأشاعرة في أفعال العباد أو بأن خلق فيهم قدرة عليها مؤثرة في فعلها بإذنه سبحانه على ما نسبه الكوراني إلى الأشعري وسائر المحققين في أفعال العباد من أنها بقدرة خلقها الله تعالى فيهم مؤثرة بإذنه تعالى، وقول بعضهم: بأن جعلهم جل شأنه متقين له سبحانه يمكن تطبيقه على كل من القولين، وقال البيضاوي: أي بين لهم ما يتقون أو أعانهم على تقواهم أو أعطاهم جزاءها فالإيتاء عنده مجاز عن البيان أو الإعانة أو هو على حقيقته والتقوى مجاز عن جزائها لأنها سببه أو فيه مضاف مقدر وليس في شيء من ذلك ما يأباه مذهب أهل الحق، وذكر الزمخشري الثاني والثالث من ذلك، واختار الطيبي الأول من هذين الاثنين وقال: هو أوفق لتأليف النظم الكريم لأن أغلب آيات هذه السورة الكريمة روعي فيها التقابل فقوبل * (أولئك الذين طبع الله على قلوبهم) * (محمد: 16) بقوله سبحانه: * (والذين اهتدوا زادهم هدى) * لأن الطبع يحصل من تزايد الرين وترادفع ما يزيد في الكفر، وقوله تعالى: * (واتبعوا أهواءهم) * بقوله جل وعلا: * (وآتاهم تقواهم) * فيحمل على كمال التقوى وهو أن يتنزه العارف عما يشغل سره عن الحق ويتبتل إليه سبحانه بشراشره وهو التقوى الحقيقية المعنية بقوله تعالى: * (اتقوا الله حق تقاته) * (آل عمران: 102) فإن المزيد على مزيد الهدى مزيد لا مزيد عليه، وفي الترفع عن متابعة الهوى النزوع إلى المولى والعزوب عن شهوات الحياة الدنيا، ثم في إسناد إيتاء التقوى إليه تعالى وإسناد متابعة الهوى إليهم إيماء إلى معنى قوله تعالى حكاية: * (وإذا مرضت فهو يشفين) * (الشعراء: 80) وتلويح إلى أن متابعة الهوى مرض روحاني وملازمة التقوى دواء إلهي انتهى.
وما ذكره من التقابل جار فيما ذكرناه أيضا، وكذا يجري التقابل على تفسير إيتاء التقوى ببيان ما يتقون لإشعار الكلام عليه بأن ما هم فيه ليس من ارتكاب الهوى والتشهي بل هو أمر حق مبني على أساس قوي، وتفسير ذلك بإعطاء جزاء التقوى مروى عن سعيد بن جبير وذهب إليه الجبائي، والكلام عليه أفيد وأبعد عن التأكيد من غير حاجة إلى حمل التقوى على أعلى مراتبها، وأمر التقابل هين فإنه قد يقال: إن قوله تعالى: * (اهتدوا) * في مقابلة * (اتبعوا أهواءهم) * وقوله سبحانه: * (زادهم هدى) * في مقابلة * (طبع الله على قلوبهم) * فليتدبر، وقيل: فاعل * (زادهم) * ضمير قوله صلى الله عليه وسلم المفهوم من قوله تعالى: * (ومنهم من يستمع إليك) * وقوله سبحانه: * (ماذا قال آنفا) * وكذا فاعل * (آتاهم) * أي أعانهم أو بين لهم، والإسناد مجازي، ولا يخفى أنه خلاف الظاهر، وأيضا إذا كان قوله تعالى: * (زادهم هدى) * في مقابلة قوله سبحانه: * (طبع الله على قلوبهم) * فالأولى أن يتحد فاعله مع فاعله ويجري نحو ذلك على ما قاله الطيبي لئلا يلزم التفكيك، وجوز أن يكون ضميرا عائدا على قول المنافقين فإن ذلك مما يعجب منه المؤمن فيحمد الله تعالى على إيمانه ويزيد بصيرة في دينه، وهو بعيد جدا بل لا يكاد يلتفت إليه.
* (فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم) * * (فهل ينظرون إلا الساعة) * أي القيامة، وقوله تعالى: * (أن تأتيهم بغتة) * أي تباغتهم بغتة وهي المفاجأة بدل
(٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 ... » »»